ثم قال تعالى : { يعذب من يشاء ويرحم وإليه تقلبون ، وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير }
لما ذكر النشأة الآخرة ذكر ما يكون فيه وهو تعذيب أهل التكذيب عدلا وحكمة ، وإثابة أهل الإنابة فضلا ورحمة ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قدم التعذيب في الذكر على الرحمة مع أن رحمته سابقة كما قال عليه السلام حاكيا عنه «سبقت رحمتي غضبي » فنقول ذلك لوجهين أحدهما : أن السابق ذكر الكفار فذكر العذاب لسبق ذكر مستحقيه بحكم الإيعاد وعقبه بالرحمة ، وكما ذكر ، بعد إثبات الأصل الأول وهو التوحيد التهديد بقوله : { وإن تكذبوا فقد كذب أمم } وأهلكوا بالتكذيب كذلك ذكر بعد إثبات الأصل الآخر التهديد بذكر التعذيب ، وذكر الرحمة وقع تبعا لئلا يكون العذاب مذكورا وحده وهذا يحقق قوله : ( سبقت رحمتي غضبي ) وذلك لأن الله حيث كان المقصود ذكر العذاب لم يمحضه في الذكر بل ذكر الرحمة معه .
المسألة الثانية : إذا كان ذكر هذا لتخويف العاصي وتفريح المؤمن فلو قال يعذب الكافر ويرحم المؤمن لكان أدخل في تحصيل المقصود وقوله : { يعذب من يشاء } لا يزجر الكافر لجواز أن يقول لعلي لا أكون ممن يشاء الله عذابه ، فنقول : هذا أبلغ في التخويف ، وذلك لأن الله أثبت بهذا إنفاذ مشيئته إذا أراد تعذيب شخص فلا يمنعه منه مانع ، ثم كان من المعلوم للعباد بحكم الوعد والإيعاد أنه شاء تعذيب أهل العناد ، فلزم منه الخوف التام بخلاف ما لو قال يعذب العاصي ، فإنه لا يدل على كمال مشيئته ، لأنه لا يفيد أنه لو شاء عذاب المؤمن لعذبه ، فإذا لم يفد هذا فيقول الكافر إذا لم يحصل مراده في تلك الصورة يمكن أن يحصل في صورة أخرى ، ولنضرب له مثلا فنقول : إذا قيل إن الملك يقدر على ضرب كل من في بلاده وقال من خالفني أضربه يحصل الخوف التام لمن يخالفه ، وإذا قيل إنه قادر على ضرب المخالفين ولا يقدر على ضرب المطيعين ، فإذا قال من خالفني أضربه يقع في وهم المخالف أنه لا يقدر على ضرب فلان المطيع ، فلا يقدر علي أيضا لكوني مثله ، وفي هذا فائدة أخرى وهو الخوف العام والرجاء العام ، لأن الأمن الكلي من الله يوجب الجراءة فيفضي إلى صيرورة المطيع عاصيا .
المسألة الثالثة : قال : { ثم إليه تقلبون } مع أن هذه المسألة قد سبق إثباتها وتقريرها فلم أعادها ؟ فنقول لما ذكر الله التعذيب والرحمة وهما قد يكونان عاجلين ، فقال تعالى : فإن تأخر عنكم ذلك فلا تظنوا أنه فات ، فإن إليه إيابكم وعليه حسابكم وعنده يدخر ثوابكم وعقابكم . ولهذا قال بعدها { وما أنتم بمعجزين }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.