التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (196)

اعتراض في أثناء هذه الخاتمة ، نشأ عن قوله : { فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم } [ آل عمران : 195 ] باعتبار ما يتضمّنه عدَمُ إضاعة العمل من الجزاء عليه جزاء كاملاً في الدنيا والآخرة ، وما يستلزمه ذلك من حرمان الذين لم يستجيبوا لداعي الإيمان وهم المشركون ، وهم المراد بالذين كَفَروا كَمَا هو مصطلح القرّاء .

والخطاب لغير معيّن ممّن يُتوهّم أن يغرّه حسن حال المشركين في الدنيا .

والغَرّ والغرور : الإطماع في أمر محبوب على نيّة عدم وقوعه ، أو إظهار الأمر المضرّ في صورة النافع ، وهو مشتقّ من الغرّة بكسر الغين وهي الغفلة ، ورجل غِرّ بكسر الغين إذا كان ينخدع لمن خادعه . وفي الحديث : " المؤمن غرّ كريم " أي يظنّ الخير بأهل الشرّ إذا أظهروا له الخير .

وهو هنا مستعار لظهور الشيء في مظهر محبوب ، وهو في العاقبة مكروه .

وأسند فعل الغرور إلى التقلّب لأنّ التقلّب سببه ، فهو مجاز عقليّ ، والمعنى لا ينبغي أن يغرّك . ونظيره : « لا يفتننّكم الشيطان » . و ( لا ) ناهية لأنّ نون التوكيد لا تجيء مع النفي .

وقرأ الجمهور : لا يَغُرّنَّك بتشديد الراء وتشديد النون وهي نون التوكيد الثقيلة ؛ وقرأها رويس عن يعقوب بنون ساكنة ، وهي نون التوكيد الخفيفة .

والتقلّب : تصرّف على حسب المشيئة في الحروب والتجارات والغرس ونحو ذلك ، قال تعالى : { ما يجادل في آيات الله إلاّ الذين كفروا فلا يَغْرُرْك تَقَلُّبُهم في البلاد } [ غافر : 4 ] .

والبلاد : الأرض . والمتاعُ : الشيء الذي يشتري للتمتّع به .