التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} (14)

وجملة { إن كلٌّ إلا كذَّبَ الرسل } مؤكدة لجملة { كذَّبتْ قبلهم قوم نوح } إلى قوله : { وأصحابُ لَيْكَةِ } ، أخبر أوَّلاً عنهم بأنهم كذبوا وأُكد ذلك بالإِخبار عنهم بأنهم ليسوا إلاّ مُكذبين على وجه الحصر كأنهم لا صفة لهم إلا تكذيب الرسل لتوغلهم فيها وكونها هِجِّيراهم . و { إنْ } نافية ، وتنوين { كل } تنوين عوض ، والتقدير : إنْ كُلُّهم .

وجيء بالمسند فعلاً في قوله : { كذَّبَ الرُّسُلَ } ليفيد تقديمُ المسند إليه عليه تخصيصَ المسند إليه بالمسند الفعلي فحصل بهذا النظم تأكيد الحصر .

وتعدية { كذَّبَ } إلى { الرُّسُلَ } بصيغة الجمع مع أن كل أمة إنما كذبت رسولها ، مقصود منه تفظيع التكذيب لأن الأمة إنما كذّبت رسولها مستندة لحجة سفسطائية هي استحالة أن يكون واحد من البشر رسولاً من الله فهذه السفسطة تقتضي أنهم يكذبون جميع الرسل . وقد حصل تسجيل التكذيب عليهم بفنون من تقوية ذلك التسجيل وهي إبهام مفعول { كَذَّبَتْ } في قوله : { كذَّبتْ قبلهم } ثم تفصيله بقوله : { إلاَّ كذَّبَ الرُّسُلَ } وما في قوله : { إن كلٌّ إلاَّ كذَّبَ الرُّسُلَ } من الحصر ، وما في تأكيده بالمسند الفعلي في قوله : { إلاَّ كذَّبَ } ، وما في جعل المكذَّب به جميعَ الرسل ، فأنتج ذلك التسجيلُ استحقاقهم عذاب الله في قوله : { فَحَقَّ عِقَابِ } ، أي عقابي ، فحذفت ياء المتكلم للرعاية على الفاصلة وأبقيت الكسرة في حالة الوصل .

وحق : تحقق ، أي كان حقّاً ، لأنه اقتضاه عظيم جُرمهم . والعقاب : هو ما حلّ بكل أُمة منهم من العذاب وهو الغرق والتمزيق بالريح ، والغرقُ أيضاً ، والصيحة ، والخسف ، وعذاب يوم الظِّلة .

وفي هذا تعريض بالتهديد لمشركي قريش بعذاببٍ مثل عذاب أولئك لاتحادهم في موجِبِه .