نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} (14)

ولما كان في معرض المعارضة لتألبهم وشقاقهم ، وتجمعهم على المناواة باطلاً واتفاقهم ، ولما كانوا لما عندهم من العناد وحمية الجاهلية ربما أنكروا أن يكون هلاك هؤلاء الأحزاب لأجل التكذيب ، وقالوا : هو عادة الدهر في الإهلاك والتخالف في أسباب الهلاك ، قال مؤكداً بأنواع التأكيد : { إن } أي ما { كل } من هذه الفرق كان لهلاكه سبب من الأسباب { إلا } أنه { كذب الرسل } أي كلهم بتكذيب رسوله ، فإن من كذب رسولاً واحداً مع ثبوت رسالته فقد استهان بمن أرسله ، وذلك ملزوم لتكذيب جميع من يرسله لتساوي أقدام المعجزات التي ثبتت رسالتهم بها في إيجاب التصديق { فحق } أي فتسبب عن ذلك التكذيب أنه حق { عقاب * } أي ثبت عليه فلم يقدر على التخلص منه بوجه من الوجوه والعدول إلى إفراد الضمير مع أسلوب التكلم لأن المقام للتوحيد كما مضى وهو أنص على المراد ، وتقدم السر في حذف الياء رسماً في جميع المصاحف ، وقراءة عند أكثر القراء وفي إثباتها في الحالين ليعقوب وحده .

ولما كان السياق للشقاق والإذعان للذكر الذي هو الموعظة ذات الشرف :

ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى يراق على جوانبه الدم

كان الحال مقتضياً للعقوبة بخلاف ما في " ق " فإن السياق لإنكارهم البعث وصحة النذارة وإثبات المجد ، فكان الوعيد في ذلك كافياً .