التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَمَا لَنَا لَا نُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡحَقِّ وَنَطۡمَعُ أَن يُدۡخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (84)

قوله : { وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحقّ } ، هو من قولهم ، فيحتمل أنّهم يقولونه في أنفسهم عندما يخامرهم التردّد في أمر النزوع عن دينهم القديم إلى الدخول في الإسلام . وذلك التردّد يعرض للمعتقد عند الهمّ بالرجوع في اعتقاده وهو المسمّى بالنظر ؛ ويحتمل أنّهم يقولونه لمن يعارضهم من أهل ملّتهم أو من إخوانهم ويشكّكهم فيما عزموا عليه ، ويحتمل أنّهم يقولونه لمن يعيّرهم من اليهود أو غيرهم بأنّهم لم يتصلّبوا في دينهم . فقد قيل : إنّ اليهود عَيّروا النفر الذين أسلموا ، إذا صحّ خبر إسلامهم . وتقدّم القول في تركيب « ما لنا لا نفعل » عند قوله تعالى : { ومالكم لا تُقاتلون في سبيل الله } في سورة النساء ( 75 ) .

وجملة { ونطمَع } يجوز أن تكون معطوفة على جملة { ما لنا لا نؤمن } . ويحتمل أن تكون الواو للحال ، أي كيف نترك الإيمان بالحقّ وقد كنّا من قبل طامعين أن يجعلنا ربّنا مع القوم الصالحين مثل الحواريّين ، فكيف نُفلت ما عَنّ لنا من وسائل الحصول على هذه المنقبة الجليلة . ولا يصحّ جعلها معطوفة على جملة { نؤمن } لئلا تكون معمولة للنفي ، إذ ليس المعنى على ما لنا لا نطمع ، لأنّ الطمع في الخير لا يتردّد فيه ولا يلام عليه حتّى يَحتاج صاحبه إلى الاحتجاج لنفسه بِ ( ما لنا لا نفعل ) .