إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا لَنَا لَا نُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡحَقِّ وَنَطۡمَعُ أَن يُدۡخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (84)

{ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله وَمَا جَاءنَا مِنَ الحق } كلام مستأنَفٌ قالوه تحقيقاً لإيمانهم ، وتقريراً له بإنكار سبب انتفائه ونفيِه بالكلية ، على أن قوله تعالى : { لاَ نُؤْمِنُ } حال من الضمير في ( لنا ) ، والعامل ما فيه من الاستقرار أيْ أيُّ شيءٍ حصل لنا غيرَ مؤمنين ؟ على توجيه الإنكار والنفي إلى السبب والمسبَّب جميعاً ، كما في قوله تعالى : { وما لِي لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي } [ يس ، الآية 22 ] ونظائرِه لا إلى السبب فقط مع تحقق المسبب كما في قوله تعالى : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الانشقاق ، الآية 20 ] وأمثاله فإن همزة الاستفهام كما تكون تارة لإنكار الواقع كما في أتضرِبُ أباك ؟ وأخرى لإنكار الوقوع كما في أأضرب أبي ؟ كذلك ما الاستفهامية قد تكون لإنكار سبب الواقع ونفْيِه فقط كما في الآية الثانية ، وقوله تعالى : { ما لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح ، الآية 13 ] فيكون مضمون الجملة الحالية محققاً ، فإن كلاًّ من عدم الإيمان وعدم الرجاء أمرٌ محققٌ قد أنكروا نفي سببه ، وقد يكون الإنكارُ سببَ الوقوعِ ونفيَه ، فيسريان إلى المسبب أيضاً كما في الآية الأولى ، فيكون مضمون الجملة الحالية مفروضاً قطعاً ، فإن عدم العبادة أمر مفروض حتماً ، وقوله تعالى : { وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القوم الصالحين } حال أخرى من الضمير المذكور بتقدير مبتدأ ، والعامل فيها هو العامل في الأولى مقيداً بها ، أي أيُّ شيء حصل لنا غير مؤمنين ؟ ونحن نطمع في صحبة الصالحين ، أو من الضمير في ( لا نؤمن ) على معنى أنهم أنكروا على أنفسهم عدم إيمانهم ، مع أنهم يطمعون في صحبة المؤمنين ، وقيل : معطوف على ( نؤمن ) على معنى وما لنا نجمع بين ترك الإيمان وبين الطمع المذكور ؟