التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ} (14)

والباء في { بأعيننا } للملابسة .

والأعين : جمع عين بإطلاقه المجازي ، وهو الاهتمام والعناية ، كقول النابغة :

علمْتك ترعاني بعين بصيرة

وقال تعالى : { فإنك بأعيننا } [ الطور : 48 ] .

وجُمع العين لتقوية المعنى لأن الجمع أقوى من المفرد ، أي بحراسات منّا وعنايات . ويجوز أن يكون الجمع باعتبار أنواع العنايات بتنوع آثارها . وأصل استعمال لفظ العين في مثله تمثيل بحال الناظر إلى الشيء المحروس مثل الراعين كما يقال للمسافر : « عين الله عليك » ، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فجمع بذلك الاعتبار . وتقدم في سورة هود .

و { جزاء } مفعول لأجله ل { فتحنا } وما عُطف عليه ، أي : فعلنا ذلك كله جزاء لنوح . و { من كان كُفِر } هو نوح فإن قومه كَفَروا به ، أي لم يؤمنوا بأنه رسول وكان كفرهم به منذ جاءهم بالرسالة فلذلك أقحم هنا فعل { كان } ، أي لمن كُفِر منذ زمان مضى وذلك ما حكي في سورة نوح ( 5 9 ) بقوله : { قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً } إلى قوله : { ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إنِّي أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً } وحذف متعلق كفر لدلالة الكلام عليه . وتقديره : كفر به ، أو لأنه نصح لهم ولقي في ذلك أشد العناء فلم يشكروا له بل كفروه فهو مكفور فيكون من باب قوله تعالى : { ولا تكفرون } [ البقرة : 152 ] .