التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ} (28)

وجملة { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم } معطوفة على جملة { إنا مرسلوا الناقة } باعتبار أن الوعد بخلق آية الناقة يقتضي كلاماً محذوفاً ، تقديره : فأرسلنا لهم الناقة وقلنا نبئهم أن الماء قسمة بينهم على طريقة العطف والحذف في قوله : { فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فانفلق } [ الشعراء : 63 ] ، وإن كان حرف العطف مختلفاً ، ومثل هذا الحذف كثير في إيجاز القرآن .

والتعريف في { الماء } للعهد ، أي ماء القرية الذي يستقون منه ، فإن لكل محلة ينزلها قوم ماءً لسقياهم وقال تعالى : { ولما ورد ماء مدين } [ القصص : 23 ] .

وأخبر عن الماء بأنه { قسمة } . والمراد مقسوم فهو من الإِخبار بالمصدر للتأكيد والمبالغة .

وضمير { بينهم } عائد إلى معلوم من المقام بعد ذكر الماء إذ من المتعارف أن الماء يستقي منه أهل القرية لأنفسهم وماشيتهم ، ولما ذكرت الناقة عُلم أنها لا تستغني عن الشرب فغلّب ضمير العقلاء على ضمير الناقة الواحدة وإذ لم يكن للناقة مالك خاص أمر الله لها بنوبة في الماء . وقد جاء في آية سورة الشعراء ( 155 ) { قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } وهذا مبدأ الفتنة ، فقد روي أن الناقة كانت في يوم شربها تشرب ماء البئر كله فشحّوا بذلك وأضمروا حَلْدَها عن الماء فأبلغهم صالح إن الله ينهاهم عن أن يمسوها بسوء .

والمحْتضر بفتح الضاد اسم مفعول من الحضور وهو ضد الغيبة . والمعنى : محتضر عنده فحذف المتعلققِ لظهوره . وهذا من جملة ما أُمر رسولهم بأن ينبئهم به ، أي لا يحضُر القوم في يوم شِرب الناقة ، وهي بإلهاممِ الله لا تحضر في أيام شرب القوم . والشِّرب بكسر الشين : نوبة الاستقاء من الماء .