اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ} (14)

قوله : «تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا » أي بمَرْأى منَّا . وقال مقاتل : بأعيننا أي بحفظنا ، لقولك : اجْعَل هذا نصب عينك . وقيل : بالأعين النابعة من الأرض . وقيل : بأعين أوليائنا من الملائكة . فقوله : بأعيننا أي ملتبسة بحفظنا{[53996]} ، وهو في المعنى كقوله تعالى : { وَلِتُصْنَعَ على عيني } [ طه : 39 ] .

وقرأ زيد ( بن ) {[53997]} علي وأبو السَّمَّال بأَعْيُنَّا بالإدغام{[53998]} . وقال سفيان{[53999]} : معناه بأمرنا .

قوله : ( جزاء ) منصوب على المفعول له ، نَاصبُهُ ( فَفَتَّحْنَا ) وما بعده .

وقيل : منصوب على المصدر إما بفعل مقدر أي جَازَيْنَاهُم جَزَاءً ، وإما على التجوز بأن معنى الأفعال المتقدمة جازيناهم بها جزاءً .

قوله : { لِمَن كَانَ كُفِرَ } العامة على كُفِرَ مبنيًّا للمفعول ، والمراد بمَنْ كُفِرَ : نوح - عليه الصلاة والسلام - أو الباري تعالى .

وقرأ مُسَيْلَمَةُ{[54000]} بْنُ مُحَارِبٍ كُفْرَ بإسكان الفاء ، كقوله :

لَوْ عُصْرَ مِنْهُ المِسْكُ وَالبَانُ انْعَصَرْ{[54001]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقرأ يزيد بن رومان{[54002]} وعيسى وقتادة : كَفَرَ ، مبنياً للفاعل{[54003]} .

والمراد ب «مَنْ » حينئذ قَومُ نوح . و«كَفَر » خبر كان . وفيه دليل على وقوع خبر كان ماضياً من غير قد{[54004]} . وبعضُهمْ{[54005]} يقول : لا بد من ( قد ) ظاهرةً أو مضمرة{[54006]} .

ويجوز أن تكون كان مزيدة ، وأما كفرهم ففيه وجهان :

أحدهما : أن يكون «كَفَرَ » مثل شَكَرَ تعدى بحرف وبغير حرف ، يقال : شَكَرْتُهُ وشَكَرْتُ لَهُ ، قال تعالى : { واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } [ البقرة : 152 ] .

وقال : { فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت } [ البقرة : 256 ] .

الثاني : أن يكون من الكفر لا من الكُفْرَان أي جزاء لمن ستر أمره وأنكر شأنه ، أو جزاء لمن كفر به{[54007]} .

فصل

المعنى فعلنا به من إنجاء نوح وإغراق قومه ثواباً لمن كفر به وجُحِدَ أمره وهو نوح - عليه الصلاة والسلام - . وقيل : «مَنْ » بمعنى «ما » أي جزاء لما كان كفر من أيادي ونقمة عند الذين غرقهم ، وجزاء لما صنع بنوحٍ وأصحابه{[54008]} .

واللام في «لِمَنْ » لام المفعول له . والجزاء هنا بمعنى العقاب أي عقاباً لكفرهم .


[53996]:وانظر تلك الأقوال في القرطبي 17/133.
[53997]:سقطت كلمة ابن من (أ).
[53998]:قراءات شاذة ذكرها صاحب البحر المحيط 8/178، وابن خالويه في المختصر 147 ورواها صاحب الإتحاف عن المطوّعي وانظر الإتحاف 404.
[53999]:بتوضيح لما في التبيان 1194. واختار الزمخشري المفعول لأجله كما في الكشاف 4/38.
[54000]:كذا في النسختين وفي البحر: مسلمة وقد عُرِّف به.
[54001]:بيت من مشطور الرجز لأبي النجم العجلي وقبله: هيّجها نضْحٌ من الطلّ سحَرْ وهزّت الرّيح الندى حين قطرْ والشاهد في "عُصْرَ" فإنه أراد عُصِر. وانظر البحر 8/178، والإنصاف 124 والمنصف 1/24 و2/124 وشرح الشافية 15 والتصريح 1/294، اللسان 2971 "عصر".
[54002]:هو يزيد بن رومان أبو روح المدني مولى الزبير، ثقة، ثبت، فقيه، قارئ، محدث عرض على عبد الله بن عياش وروى القاراءات عنه عرضا نافع وأبو عمرو. مات سنة 120، انظر طبقات ابن الجوزي 2/381.
[54003]:شاذه. وانظر المحتسب 2/298.
[54004]:وهو مذهب البصريين والصحيح جوازه مطلقا بكثرته في كلامهم نظما ونثرا كثرة تُوجب القياس، قال تعالى: {إن كان قميصه قُدّ} {وإن كنت قلته} {إن كنتم آمنتم} {أوَ لم تكونوا أقسمتم} وقال الشاعر: ..................... *** وقد كانوا فأمسى الحيّ ساروا وحكى الكسائي: أصبحت نظرت إلى ذات التّنانير.
[54005]:وهم الكوفيون.
[54006]:وحجتهم أن كان وأخواتها إنما دخلت على الجمل لتدل على الزمان، فإذا كان الخبر يعطي الزمان لم يُحتَج إليها، ألا ترى أن المفهوم من: "زيد قام" ومن" "كان زيدٌ قائما" شيء واحد، واشتراط "قد" لأنها تقرب الماضي من الحال. وانظر الهمع 1/113.
[54007]:قاله الرازي في التفسير الكبير 15/141.
[54008]:البغوي 6/275.