اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَنَبِّئۡهُمۡ أَنَّ ٱلۡمَآءَ قِسۡمَةُۢ بَيۡنَهُمۡۖ كُلُّ شِرۡبٖ مُّحۡتَضَرٞ} (28)

قوله : «وَنَبِّئْهُمْ » أي أخبرهم { أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } أي بين آل ثمود وبين الناقة لها يوم ولهم يوم ، كقوله تعالى : { لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } فالضمير في ( بينهم ) لقوم صالح والناقة فغلّب العاقل{[54094]} .

وقرأ العامة : قِسْمة بكسر القاف - ورُوِيَ عن أبي عمرو فَتْحُها{[54095]} - وهو قياس المرة . والمعنى : أن الماءَ مقسومٌ بَيْنَهُمْ فوصف بالمصدر مبالغة ، كقولك : فُلانٌ عَيْنُ الكرم .

قوله : { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } أي يحضره من هُو له ، فالناقة تحضر الماء يوم وُرُودِهَا وتغيب عنهم يوم وُرُودِهِمْ . قاله مقاتل . وقال مجاهد : إن ثمود يحضرون الماء يوم غَبِّها عنهم فيشربون ، ويحضرون اللبن يوم ورودها فيحتلبون{[54096]} . والشِّرْبُ - بالكسر - الحظ من الماء . وفي المثل : آخرها أقلُّها شِرْباً وأصله من سقي الإناء{[54097]} ، لأن آخرها يرد وقد نَزفَ الحَوْضُ{[54098]} .

واعلم أن قسمة الماء إما لأن الناقة عظيمةُ الخَلْق ينفر منها حيواناتهم فكان يوم للناقة ويوم لهم ، وإما لقلة الماء فلا يحملهم ، وإما لأن الماء كان مقسوماً بينهم لكل فريق منهم فيوم وُرُودِ الناقة على هؤلاء يرجعون على الآخرين وكذلك الآخرون فيكون النُّقْصَان على الكل ، ولا تختص الناقة بجميع الماء .

رُوِيَ أنهم كانوا يكتفون في يوم ورودها بلبنها ، وليس في الآية إلا القسمة دون كيفيتها ، وظاهر قوله تعالى : { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } يعضد الوجه الثالث ، وحَضَر واحْتَضَرَ بمعنًى واحد .


[54094]:وانظر الرازي السابق وتفسير البغوي والخازن 6/276.
[54095]:لم ترد عنه في المتواتر فقد قال أبو حيان في البحر 8/181: "ومعاذ عن أبي عمرو بفتحها".
[54096]:وانظر القرطبي 17/141.
[54097]:الصحيح: الإبل وليس الإناء.
[54098]:وانظر اللسان "شرب" 2222.