التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

{ هُوَ الذى خَلَقَ السماوات والأرض فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش } .

موقع هذه الجملة استنئاف كموقع جملة { هو الأول والآخر } [ الحديد : 3 ] الآية ، فهذا استئناف ثان مفيد الاستدلال على انفراده تعالى بالإِلهية ليقلعوا عن الإِشراك به .

ويفيد أيضاً بياناً لمضمون جملة { له ملك السموات والأرض } [ الحديد : 5 ] وجملة { وهو على كل شيء قدير } [ الحديد : 2 ] ، فإن الذي خلق السماوات والأرض قادر على عظيم الإِبداع .

والاستواءُ على العرش تمثيل للمُلك الذي في قوله : { له ملك السموات والأرض } [ الحديد : 2 ]

وهذا معنى اسمه تعالى : « الخالق » ، وتقدم قريب من هذه الآية في أوائل سورة الأعراف ( 11 ) .

{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الارض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا }

استئناف لتقرير عموم علمه تعالى بكل شيء فكان بيانَ جملة { وهو على كل شيء قدير } [ الحديد : 2 ] وجملة { وهو بكل شيء عليم } [ الحديد : 3 ] جارياً على طريقة النشر لللف على الترتيب ، وتقدم نظير هذه الآية في سورة سبأ . فانظر ذلك .

{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } .

عطف معنى خاص على معنى شمله وغيرَه لقصد الاهتمام بالمعطوف .

والمعيّة تمثيل كنائي عن العلم بجميع أحوالهم .

و { أين ما } ظرف مركب من ( أين ) وهي اسم للمكان ، و ( ما ) الزائدة للدلالة على تعميم الأمكنة .

وجملة { والله بما تعملون بصير } تكملة لمضمون { وهو معكم أين ما كنتم } ، وكان حقها أن لا تعطف وإنما عطفت ترجيحاً لجانب ما تحتوي عليه من الخبر عن هذه الصفة .