التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (2)

استئناف ابتدائي بذكر صفة عظيمة من صفات الله التي متعلقها أحوال الكائنات في السماوات والأرض وخاصة أهل الإِدراك منهم .

ومضمون هذه الجملة يؤذن بتعليل تسبيح الله تعالى لأن من له ملك العوالم العليا والعالم الدنيوي حقيق بأن يعرف الناس صفات كماله .

وأفاد تعريف المسند قصر المسند على المسند إليه وهو قصر ادعائي لعدم الاعتداد بملك غيره في الأرض إذ هو ملك ناقص فإن الملوك مفتقرون إلى من يدفع عنهم العوادي بالأحلاف والجند ، وإلى من يدبر لهم نظام المملكة من وزراء وقواد ، وإلى أخذ الجباية والجزية ونحو ذلك ، أو هو قصر حقيقي ، إذَا اعتبرتْ إضافة { ملك } إلى مجموع { السموات والأرض } فإنه لا ملك لمَالك على الأرض كلها بَلْهَ السماوات معها .

وهذا معنى صفته تعالى « الملك » ، وتقدم في آخر سورة آل عمران .

وجملة { يحي ويميت } بدل اشتمال من مضمون { له ملك السموات والأرض } فإن الإِحياء والإِماتة ممّا يشتمل عليه معنى مُلك السماوات والأرض لأنهما من أحوال ما عليهما ، وتخصيص هذين بالذكر للاهتمام بهما لدلالتهما على دقيق الحكمة في التصرف في السماء والأرض ولظهور أن هاذين الفعلين لا يستطيع المخلوق ادعاء أن له عملاً فيهما ، وللتذكير بدليل إمكان البعث الذي جحده المشركون ، وللتعريض بإبطال زعمهم إلهية أصنامهم كما قال تعالى : { ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً } [ الفرقان : 3 ] ، ومن هذين الفعلين جاء وصفه تعالى بصفة « المحيي المميت » .

وتقدم ذكر الإِحياء والإِماتة عند قوله تعالى : { وكنتم أمواتاً فأحياكم } في أول سورة البقرة ( 28 ) .

وجملة وهو على كل شيء قدير } تفيد مفاد التذييل لجملة { يحي ويميت } لتعميم ما دل عليه قوله : { يحي ويميت } من بيان جملة { له ملك السموات والأرض } ، وإنما عطفت بالواو وكان حق التذييل أن يكون مفصولاً لقصد إيثار الإِخبار عن الله تعالى بعموم القدرة على كل موجود ، وذلك لا يفيت قصد التذييل ، لأن التذييل يحصل بالمعنى .