التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ} (34)

والحض على الشيء : أن يَطْلُبَ من أحد فعلَ شيء ويُلِحّ في ذلك الطلب .

ونفي حضه على طعام المسكين يقتضي بطريق الفحوى أنه لا يُطعم المسكين من ماله لأنه إذا كان لا يأمر غيره بإطعام المسكين فهو لا يطعمه من ماله ، فالمعنى لا يطعم المسكين ولا يأمر بإطعامه ، وقد كان أهل الجاهلية يطعمون في الولائم ، والميسر ، والأضيَاف ، والتحابُب ، رياء وسُمعة . ولا يطعمون الفقير إلاّ قليلاً منهم ، وقد جُعل عدم الحض على طعام المسكين مبالغة في شح هذا الشخص عن المساكين بمال غيره وكناية عن الشحّ عنهم بماله ، كما جُعل الحرص على إطعام الضيف كناية عن الكرم في قول زينب بنت الطَّثَرِيَّةِ ترثي أخاها يزيدَ :

إذا نَزل الأضياف كان عَذَوَّراً *** على الحَي حتى تَستقل مَراجِلُه

تريد أنه يحضر الحي ويستعجلهم على نصف القدور للأضياف حتى توضع قدور الحي على الأثافي ويَشرعوا في الطبخ ، والعَذوَّر بعين مهملة وذال معجمة كعملَّس : الشكِس الخُلق .

إلاّ أن كناية ما في الآية عن البخل أقوى من كناية ما في البيت عن الكرم لأن الملازمة في الآية حاصلة بطريق الأولوية بخلاف البيت .

وإذ قد جُعل عدم حضه على طعام المسكين جزء علة لشدة عذابه ، علمنا من ذلك موعظة للمؤمنين زاجرة عن منع المساكين حقهم في الأموال وهو الحق المعروف في الزكاة والكفارات وغيرها .