فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ} (34)

{ ولا يحض على طعام المسكين } أي لا يحث ولا يحرض نفسه على إطعامه من ماله أو لا يحث الغير على إطعامه ، ووضع الطعام موضع الإطعام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء ، والإضافة للمفعول ، ويجوز أن يكون في الكلام حذف المضاف أي على بذل طعام المسكين والإضافة له لكونه مستحقة وآخذه فهي لأدنى ملابسة فالحض البعث والحث على الفعل والحرص على وقوعه ، ومنه حروف التحضيض المبوب له في النحو لأنه يطلب به وقوع الفعل وإيجاده .

وفيه إشارة إلى أنه كان لا يؤمن بالبعث لأن الناس لا يطلبون على المساكين الجزاء فيما يطعمونهم ، وإنما يطعمونهم لوجه الله ورجاء الثواب في الآخرة فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على إطعامهم .

وفي جعل هذا قرينا لترك الإيمان بالله من الترغيب في التصدق على المساكين وسد فاقتهم وحث النفس والناس على ذلك ما يدل أبلغ دلالة ويفيد أكمل فائدة على أن منعهم من أعظم الجرائم وأشد المآثم ، وعن أبي الدرداء قال : " إن لله سلسلة لم تزل تغلي منها مراجل النار منذ خلق الله جهنم إلى يوم تلقى في أعناق الناس ، وقد نجانا الله من نصفها بإيماننا بالله العظيم ، فحضني على طعام المسكين يا أم الدرداء " أخرجه أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر .

وقال الحسن أدركت أقواما يعزمون على أهليهم أن لا يردوا سائلا وكان بعضهم يأمر أهله بتكثير المرقة لأجل المساكين ويقول خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع النصف الثاني بالإطعام ، وقيل لعل وجه التخصيص لهذين الأمرين بالذكر أن أقبح العقائد الكفر بالله تعالى ، وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب .