المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّن كُتُبٖ يَدۡرُسُونَهَاۖ وَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ قَبۡلَكَ مِن نَّذِيرٖ} (44)

معنى هذه الآية أنهم يقولون بآرائهم في كتاب الله فيقول بعضهم سحر ، وبعضهم افتراء ، وذلك منهم تسور لا يستندون فيه إلى إثارة علم{[9671]} ولا إلى خبر من يقبل خبره ، فإنا ما آتيناهم كتباً يدرسونها ولا أرسلنا إليهم نذيراً فيمكنهم أن يدعوا أن أقوالهم تستند إلى أمره ، وقرأ جمهور الناس «يدْرسونها » بسكون الدال ، وقرأ أبو حيوة «يدَّرِسونها » بفتح الدال وشدها وكسر الراء - والمعنى وما أرسلنا من نذير يشافههم بشيء ولا يباشر أهل عصرهم ولا من قرب من آبائهم ، وإلا فقد كانت النذارة في العالم وفي العرب مع شعيب وصالح وهود ودعوة الله وتوحيده قائم لم تخل الأرض من داع إليه ، فإنما معنى هذه الآية { من نذير } يختص بهؤلاء الذين بعثناك إليهم ، وقد كان عند العرب كثير من نذارة إسماعيل ، والله تعالى يقول : { إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيّا }ً{[9672]} ولكن لم يتجرد للنذارة وقاتل عليها إلا محمد صلى الله عليه وسلم .


[9671]:الأثارة: العلامة، وبقية الشيء، وفي الكتاب العزيز:{إئتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين}، (4)(الأحقاف).
[9672]:من الآية(54) من سورة(مريم).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّن كُتُبٖ يَدۡرُسُونَهَاۖ وَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ قَبۡلَكَ مِن نَّذِيرٖ} (44)

الواو للحال ، والجملة في موضع الحال من الضمير في قوله : { قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم } [ سبأ : 43 ] الآية ، تحميقاً لجهالتهم وتعجيباً من حالهم في أمرين :

« أحدهما » : أنهم لم يدركوا ما ينالهم من المزية بمجيء الحق إليهم إذ هيأهم الله به لأن يكونوا في عداد الأمم ذوي الكتاب ، وفي بدء حال يبلغ بهم مبلغ العلم ، إذ هم لم يسبق لهم أن أتاهم كتاب من عند الله أو رسول منه ، فيكون معنى الآية : فكيف رفضوا اتّباع الرسول وتلقي القرآن وكان الأجدرُ بهم الاغتباط بذلك . وهذا المعنى هو المناسب لقوله : { يدرسونها } أي لم يكونوا أهل دراسة فكان الشأن أن يسرهم ما جاءهم من الحق .

« وثانيهما » : أنهم لم يكونوا على هدى ولا دين منسوب إلى الله تعالى حتى يكون تمسكهم به وخشية الوقوع في الضلالة إن فرَّطوا فيه يحملهم على التردد في الحق الذي جاءهم وصدقِ الرسول الذي أتاهم به فيكون لهم في الصد عنهما بعض العذر : فيكون المعنى : التعجيب من رفضهم الحق حين لا مانع يصدهم ، فليس معنى جملة { وما آتيناهم من كتب } الخ على العطف ولا على الإِخبار لأن مضمون ذلك معلوم لا يتعلق الغرض بالإِخبار به ، ولكن على الحال لإِفادة التعجيب والتحميق ، وعلى هذا المعنى جرى المفسرون .

والدراسة : القراءة بتمهّل وتفهّم ، وتقدم عند قوله تعالى : { وبما كنتم تدرسون في آل عمران ( 79 ) .

وإنما لم يقيد إيتاء الكتب بقيد كما قُيّد الإِرسال بقوله : { قبلَك } لأن الإِيتاء هو التمكين من الشيء وهم لم يتمكنوا من القرآن بخلاف إرسال النذير فهو حاصل سواء تقبلوه أم أعرضوا عنه .

ومن نحا نحو أن يكون معنى الآية التفرقةَ بين حالهم وحال أهل الكتاب فذلك منحى واهن لأنه يجرّ إلى معذرة أهل الكتاب في عضّهم بالنواجذ على دينهم ، على أنه لم يكن في مدة نزول الوحي بمكة علاقة للدعوة الإِسلامية بأهل الكتاب وإنما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وأيضاً لا يكون للتقييد ب { قبلَك } فائدة خاصة كما علمت . وهنالك تفسيرات أخرى أشد بعداً وأبعد عن القصد جداً .