المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُمۡ وَأَزۡوَٰجُهُمۡ فِي ظِلَٰلٍ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ مُتَّكِـُٔونَ} (56)

وقوله تعالى : { هم } ابتداء و { أزواجهم } و { في ظلال } خبره ويحتمل أن يكون { هم } بدلاً من قوله { فاكهون } ويكون قوله { في ظلال } في موضع الحال كأنه قال مستظلين ، وقرأ جمهور القراء «في ظلال » وهو جمع ظل إذ الجنة لا شمس فيها وإنما هواؤها سجسج{[9798]} كوقت الأسفار قبل طلوع الشمس ، ويحتمل قوله { في ظلال } أن يكون جمع ظلة قال أبو علي كبرمة وبرام وغير ذلك ، وقال منذر بن سعيد : { ظلال } جمع ظلة بكسر الظاء .

قال القاضي أبو محمد : وهي لغة في ظلة ، وقرأ حمزة والكسائي «في ظلل » وهي جمع ظلة وهي قراءة طلحة وعبد الله وأبي عبد الرحمن ، وهذه عبارة عن الملابس والمراتب من الحجال والستور ونحوها من الأشياء التي تظل ، وهي زينة ، و { الأرائك } السرر المفروشة ، قال بعض الناس : من شروطها أن تكون عليها حجلة{[9799]} وإلا فليست بأريكة ، وبذلك قيدها ابن عباس ومجاهد والحسن وعكرمة ، وقال بعضهم : الأريكة السرير كان عليه حجلة أو لم يكن .


[9798]:يقال: يوم سجسج، أي: لا حر فيه ولا برد، وهواء سجسج: معتدل طيب، وكلام ابن عطية بعد الكلمة يفسر معناها.
[9799]:الحجلة: سائر كالقبة يزين بالثياب والستور للعروس.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُمۡ وَأَزۡوَٰجُهُمۡ فِي ظِلَٰلٍ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ مُتَّكِـُٔونَ} (56)

وقرأ الجمهور { فاكِهُونَ } بصيغة اسم الفاعل . وقرأه أبو جعفر بدون ألف بصيغة مثال المبالغة .

جملة { هُمْ وأزْواجُهُمْ في ظِلالٍ } إلى آخرها واقعة موقع البيان لجملة { إنَّ أصحابَ الجَنَّةِ } الخ . والمراد بأزواجهم : الأزواج اللاتي أُعِدّت لهم في الجنة . ومنهن من كُنَّ أزواجاً لهم في الدنيا إن كنّ غير ممنوعات من الجنة قال تعالى : { جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } [ الرعد : 23 ] .

والظلال قرأه الجمهور بوزن فِعال بكسر أوله على أنه جمع ظلّ ، أي ظلّ الجنات . وقرأه حمزة والكسائي وخلف { ظُلَل } بضم الظاء وفتح اللام جمع ( ظُلة ) وهي ما يظل كالقِباب . وجمع الظلال على القراءتين لأجل مقابلته بالجمع وهم أصحاب الجنة ، فكلّ منهم في ظل أو في ظلة .

و { الأرائك } : جمع أريكة ، والأريكة : اسم لمجموع السرير والحَجَلة ، فإذا كان السرير في الحَجَلة سمي الجميع أريكة . وهذا من الكلمات الدالة على شيء مركب من شيئين مثل المائدة اسم للخِوان الذي عليه طعام .

والاتكاء : هيئة بين الاضطجاع والجلوس وهو اضطجاع على جنب دون وضع الرأس والكتف على الفراش . وهو افتعال من وكأ المهموز ، إذا اعتمد ، أبدلت واوه تاء كما أبدلت في تُجاه وتُراث ، وأخذ منه فعل اتكأ لأن المتّكىء يشد قعدته ويرسخها بضرب من الاضطجاع .

والاسم منه التُّكَأة بوزن هُمَزة ، وهو جلوس المتطلب للراحة والإِطالة وهو جلسة أهل الرفاهية ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { وأعتدت لهن متكأ } في سورة يوسف ( 31 ) . وكان المترفهون من الأمم المتحضرة يأكلون متّكئين كان ذلك عادة سادة الفرس والروم ومن يتشبه بهم من العرب ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم « أمَّا أنا فلا آكل متكئاً » وذلك لأن الاتكاء يعين على امتداد المعدة فتقبل زيادة الطعام ولذلك كان الاتكاء في الطعام مكروهاً للإِفراط في الرفاهية . وأما الاتكاء في غير حال الأكل فقد اتكأ النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه كما في حديث ضِمام بن ثعلبة وافِد بني سعد بن بكر : أنه دخل المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له : « هو ذلك الأزهر المتكىء » .