مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{هُمۡ وَأَزۡوَٰجُهُمۡ فِي ظِلَٰلٍ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ مُتَّكِـُٔونَ} (56)

ثم بين الكمال بقوله : { هم وأزواجهم } وذلك لأن من يكون في لذة قد تتنغص عليه بسبب تفكره في حال من يهمه أمره فقال : { هم وأزواجهم } أيضا فلا يبقى لهم تعلق قلب ، وأما من في النار من أقاربهم وإخوانهم فيكونون هم عنهم في شغل ، ولا يكون منهم عندهم ألم ولا يشتهون حضورهم والأزواج يحتمل وجهين : أحدهما : أشكالهم في الإحسان وأمثالهم في الإيمان كما قال تعالى : { من شكله أزواج } ، وثانيهما : الأزواج هم المفهومون من زوج المرأة وزوجة الرجل كما في قوله تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } وقوله تعالى : { ويذرون أزواجا } فإن المراد ليس هو الإشكال ، وقوله : { في ظلال } جمع ظل وظلل جمع ظلة والمراد به الوقاية عن مكان الألم ، فإن الجالس تحت كن لا يخشى المطر ولا حر الشمس فيكون به مستعدا لدفع الألم ، فكذلك لهم من ظل الله ما يقيهم الأسواء ، كما قال تعالى : { لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } [ فاطر : 35 ] وقال : { لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا } [ الإنسان : 13 ] إشارة إلى عدم الآلام وفيه لطيفة أيضا وهي أن حال المكلف ، إما أن يكون اختلالها بسبب ما فيه من الشغل ، وإن كان في مكان عال كالقاعد في حر الشمس في البستان المتنزه أو يكون بسبب المكان ، وإن كان الشغل مطلوبا كملاعبة الكواعب في المكان المكشوف ، وإما أن يكون بسبب المأكل كالمتفرج في البستان إذا أعوزه الطعام ، وإما بسبب فقد الحبيب ، وإلى هذا يشير أهل القلب في شرائط السماع بقولهم : الزمان والمكان والإخوان قال تعالى : { في شغل فاكهون } إشارة إلى أنهم ليسوا في تعب وقال : { هم وأزواجهم } إشارة إلى عدم الوحدة الموحشة وقال : { في ظلال على الأرائك متكئون } إشارة إلى المكان