المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ إِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٞ مَّا تُوعَدُونَ أَمۡ يَجۡعَلُ لَهُۥ رَبِّيٓ أَمَدًا} (25)

ثم أمره تعالى بالتبري من معرفة الغيب في وقت عذابهم الذي وعدوا به ، والأمد : المدة والغاية .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُلۡ إِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٞ مَّا تُوعَدُونَ أَمۡ يَجۡعَلُ لَهُۥ رَبِّيٓ أَمَدًا} (25)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الأنبياء، وفي هذه السورة {قل إن أدري} يعني ما أدري {أقريب ما توعدون} من العذاب في الدنيا يعني القتل ببدر {أم يجعل له ربي أمدا} يعني أجلا بعيدا، يقول: ما أدري أيقرب الله العذاب أو يؤخره، يعني بالأمد الأجل، القتل ببدر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك: ما أدري أقريب ما يعدكم ربكم من العذاب وقيام الساعة،

"أمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّي أمَدا": غاية معلومة تطول مدتها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فكأنهم سألوه: متى توقعت هذا الوعيد؟ فأمر أن يقول: {قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا}. قد ذكرنا في ما تقدم من الآيات أن ليس في بيان وقت الوعيد فضل يقع في الوعيد، بل إذا لم يبين وقت الوعيد كان فيه فضل تخويف وتحذير، لا يوجد في ما يبين، لأنه إذا بين؛ فإن كان فيه أمد سوّف الناس، وأخّروا التوبة لما أمنوا حلول النقمة بهم إلى مجيء ذلك اليوم، وإذا لم يمهلوا صاروا إلى الإياس، فيرتفع الخوف والرجاء، وفيه ارتفاع المحنة في الأصل بالعمل على الرجاء والخوف. ولأنه إذا لم يبين كانوا على الحذر والخوف، فيحملهم ذلك على التسارع في الخيرات والانقلاع عن المساوئ، أمره أن يقول هذا لأن الذي يقول هذا عالم بالوقت الذي يقع فيه الوعيد.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أَي: لا أَدْري ما تُوعَدون من العقوبة، ومن قيام الساعة أَقريب أم بعيد؟ فكونوا على حذرٍ. ويجب أنْ يتوقَّع العبدُ العقوبات أبداً مع مجاري الأنفاس ليَسلم من العقوبة.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{قُلْ} إنه كائن لا ريب فيه، فلا تنكروه؛ فإن الله قد وعد ذلك وهو لا يخلف الميعاد.

وأما وقته فما أدري متى يكون؛ لأنّ الله لم يبينه لما رأى في إخفاء وقته من المصلحة.

فإن قلت: ما معنى قوله: {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ ربى أَمَداً} والأمد يكون قريباً وبعيداً ألا ترى إلى قوله: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا} [آل عمران: 30]؟ قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقرب الموعد، فكأنه قال: ما أدري أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل ضربت له غاية.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم أمره تعالى بالتبري من معرفة الغيب في وقت عذابهم الذي وعدوا به، والأمد: المدة والغاية.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فإن قيل: أليس أنه قال: « بعثت أنا والساعة كهاتين» فكان عالما بقرب وقوع القيامة، فكيف قال: هاهنا لا أدري أقريب أم بعيد؟ قلنا: المراد بقرب وقوعه هو أن ما بقي من الدنيا أقل مما انقضى، فهذا القدر من القرب معلوم، وأما معنى معرفة القرب القريب وعدم ذلك فغير معلوم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان من المعلوم أنهم إذا سمعوا هذا الوعيد قالوا استهزاء وعمى عن طريق الصواب واستعلاء: متى يكون؟ عجل به، استأنف قوله جواباً لهم؛ جواب من لا يستخفه عجلة ولا ضجر لأنه لا يخاف الفوت ولا يلحقه ضرر ببقاء العدو واجتهادهم في أذى أوليائه مبيناً ما يجوز على الرسل من أنه يخفى عليهم ما على البشر ويطلعهم الله تعالى على ما يخفي على غيرهم: {قل} أي في جوابهم إن كذبوا بإتيانهم العذاب وسألوا استهزاء منه عن وقت وقوعه أما كونه فلا بد منه لأنه قد برز الوعيد به ممن لا يخلف الميعاد، وأما تعيين وقته فقد أخفاه سبحانه لأنه أقعد في التهديد وهو معنى قوله: {إن} أي ما {أدري} بوجه من الوجوه وإن عالجت ذلك وتسببت فيه، وزاد في تقرير خفائه وأنه لا يزال في حيز ما يسأل عنه بصيغة الاستفهام فقال مقدماً ما يخفيهم: {أقريب ما توعدون} أي يكون الآن أو قريباً من هذا الأوان بحيث يتوقع عن قرب {أم} بعيد {يجعل له} أي لهذا الوعي. ولما كان التأخير ربما أفهم تهاوناً بالولي. فقال دافعاً لذلك: {ربي} أي المحسن إليّ إن قدمه أو أخره {أمداً} أي أجلاً مضروباً عظيماً بكل اعتبار حتى في البعد لا يتأتى مع ذلك أن يكون الآن ولا أن يتوقع دون ذلك الأمد، فهو في كل حال متوقع فكونوا على غاية الحذر لأنه لا بد من وقوعه فوقوعه لا كلام فيه، وإنما الكلام في تعيين وقته.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يؤمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يتجرد وينفض يديه من أمر الغيب أيضا: (قل: إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا).. إن الدعوة ليست من أمره، وليس له فيها شيء، إلا أن يبلغها قياما بالتكليف، والتجاء بنفسه إلى منطقة الأمان -الذي لا يبلغه إلا أن يبلغ ويؤدي. وإن ما يوعدونه على العصيان والتكذيب هو كذلك من أمر الله، وليس له فيه يد، ولا يعلم له موعدا. فما يدري أقريب هو أم بعيد يجعل له الله أمدا ممتدا. سواء عذاب الدنيا أو عذاب الأخرة. فكله غيب في علم الله؛ وليس للنبي من أمره شيء، ولا حتى علم موعده متى يكون! والله- سبحانه -هو المختص بالغيب دون العالمين: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا).. ويقف النبي [صلى الله عليه وسلم] متجردا من كل صفة إلا صفة العبودية. فهو عبد الله. وهذا وصفه في أعلى درجاته ومقاماته.. ويتجرد التصور الإسلامي من كل شبهة ومن كل غبش. والنبي [صلى الله عليه وسلم] يؤمر أن يبلغ فيبلغ: (قل: إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا، عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا)..