اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ إِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٞ مَّا تُوعَدُونَ أَمۡ يَجۡعَلُ لَهُۥ رَبِّيٓ أَمَدًا} (25)

قوله : { قُلْ إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ } ، يعني : قيام الساعة لا يعلمه إلاَّ اللَّهُ فهو غيب لا أعلم منه إلا ما يعلمنيه الله تعالى جلت قدرتهُ .

قوله : { أَقَرِيبٌ } ، خبرٌ مقدمٌ ، و { مَّا تُوعَدُونَ } مبتدأ مؤخر ، ويجوز أن يكون «قَرِيبٌ » مبتدأ لاعتماده على الاستفهام و «مَا تُوعَدُون » فاعل به ، أي : أقريب الذي توعدون ، نحو «أقَائِمٌ أبواك » ، و «مَا » يجوز أن تكون موصولة فالعائد محذوف ، وأن تكون مصدرية فلا عائد ، و «أمْ » الظاهر أنها متصلة .

وقال الزمخشريُّ : «فإن قلت : ما معنى قوله : { أَمْ يَجْعَلُ لَهُ ربي أَمَداً } ، والأمد يكون قريباً وبعيداً ، ألا ترى إلى قوله تعالى { تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً }[ آل عمران : 30 ] ، قلت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقرب الموعد ، فكأنه قال : ما أدري أهو حالٌّ متوقع في كُلِّ ساعة ، أم مؤجل ضربت له غاية ؟ » .

وقرأ العامة : بإسكان الياء من «ربِّي » .

وقرأ الحرميان{[58226]} وأبو عمرو : بالفتح .

فصل في تعلق الآية بما قبلها

قال مقاتل : لما سمعوا قوله تعالى : { حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } . قال النضر بن الحارث : متى يكون هذا الذي توعدنا به ؟ .

فقال الله تعالى : { قُلْ إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ } إلى آخره{[58227]} ، والمعنى أنَّ وقوعه متيقن ، وأما وقت وقوعه فغير معلوم .

وقوله تعالى : { أَمْ يَجْعَلُ لَهُ ربي أَمَداً } ، أي : غاية وبعداً ، وهذا كقوله تعالى : { إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ } .

فإن قيل : أليس «أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " بُعثْتُ أنَا والسَّاعَةُ كهَاتيْنِ " {[58228]} ، فكان عالماً بقُربِ وقُوعِ القيامةِ ، فكيف قال - هاهنا - : لا أردي أقريب أم بعيد ؟ .

فالجواب{[58229]} : أن المراد بقرب وقوعه ، هو أن ما بقي من الدنيا أقل مما انقضى فهذا القدر من القرب معلوم ، فأما معرفة القرب المرتب وعدم ذلك فغير معلوم .


[58226]:ينظر: السبعة 657، والحجة 6/334، وإعراب القراءات 2/403.
[58227]:ذكره الرازي في "تفسيره" (30/148).
[58228]:أخرجه البخاري (8/560) كتاب التفسير، باب: من سورة النازعات رقم (4936)، (5301، 6503) ومسلم (4/268) كتاب الفتن، باب: قرب الساعة حديث (132/2950) من حديث جابر.
[58229]:ينظر: الفخر الرازي 30/148.