المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (97)

وقوله : { من عمل صالحاً } ، يعم جميع أعمال الطاعة ، ثم قيده بالإيمان ، واختلف الناس في : { الحياة الطيبة } ، فقال ابن عباس والضحاك : هو الرزق الحلال ، وقال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هي القناعة ، وهذا طيب عيش الدنيا ، وقال ابن عباس أيضاً : هي السعادة ، وقال الحسن البصري : «الحياة الطيبة » هي حياة الآخرة ونعيم الجنة .

قال القاضي أبو محمد : وهناك هو الطيب على الإطلاق ، ولكن ظاهر هذا الوعد أنه في الدنيا ، والذي أقول : إن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونيلها وقوة رجائهم ، والرجاء للنفس أمر ملذ ، فبهذا تطيب حياتهم وأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم ، فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة ، أو قناعة فذلك كمال ، وإلا فالطيب فيما ذكرناه راتب ، وجاء قوله : { فلنحيينه } على لفظ { من } ، وقوله : { ولنجزينهم } على معناها ، وهذا وعد بنعيم الجنة ، وباقي الآية بين ، وحكى الطبري عن أبي صالح أنه قال : نزلت هذه الآية بسبب قوم من أهل الملل تفاخروا ، وقال كل منهم : ملتي أفضل ، فعرفهم الله تعالى في هذه الآية أفضل الملل .