المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

وقرأ نافع وحمزة والكسائي «سُخرياً » بضم السين ، وقرأ الباقون «سِخرياً » بكسرها ، فقالت طائفة هما بمعنى واحد وذكر ذلك الطبري ، وقال ذلك أبو زيد الأنصاري إنهما بمعنى الهزء ، وقال أبو عبيدة وغيره : إن ضم السين من «السخرة » والتخديم وكسر السين من السخر وهو الاستهزاء ومنه قول الأعشى : [ البسيط ]

إني أتاني حديث لا أسرُّ به . . . من علو لا كذب ولا سخر{[8553]}

قال أبو علي قراءة كسر السين أوجه لأنه بمعنى الاستهزاء والكسر فيه أكثر وهو أليق بالآية ألا ترى إلى قوله : { وكنتم منهم تضحكون } . .

قال القاضي أبو محمد : ألا ترى إلى إجماع القراء على ضم السين في قوله { لتخذ بعضهم بعضاً سخرياً }{[8554]} [ الزخرف : 32 ] لما تخلص الأمر للتخديم ، قال يونس إذا أريد التخديم فضم السين لا غير ، وإذا أريد تخلص الاستهزاء فالضم والكسر ، وقرأ أصحاب عبد الله والأعرج وابن أبي إسحاق كل ما في القرآن بضم السين ، وقرأ الحسن وأبو عمرو كل ما في القرآن بالكسر إلا التي في الزخرف فإنهما ضما السين كما فعل الناس لأنها من التخديم ، وأضاف «الإنسان » إلى «الفريق » من حيث كان بسببهم والمعنى أن اشتغالهم بالهزء بهؤلاء أنساهم ما ينفعهم .


[8553]:البيت لأعشى باهلة، عامر بن الحارث بن رباح، وهو مطلع قصيدة يرثي بها أخاه المنتشر، وهي من المراثي المعدودات، والبيت في اللسان (لسن)، وقد استشهد به على أن (اللسان) بمعنى الرسالة والمقالة، إذ الرواية فيه: (إني أتتني لسان لا أسر بها)، ولهذا أنث الشاعر الفعل فقال: (أتتني)، كما استشهد به صاحب اللسان في (سخر) على أن السخر والسخر بمعنى الهزء، وقال إنه يروى بضم السين وسكون الخاء، ويروى بفتحهما، والقصيدة كاملة في الأصمعيات، والبيت فيها مختلف كثيرا، هن هذه الروايات التي ذكرناها، فهو: قد جاء من عل أنباء أنبؤها إلي لا عجب منها ولا سخر وضبط المحقق كلمة (سخر) بفتح السين والخاء وبضمهما معا، والقصيدة في (جمهرة أشعار العرب)، وفي (مختارات ابن الشجري)، وفي (أمالي الشريف المرتضي)، وفي (خزانة الأدب)، مع الاختلاف في بعض الألفاظ، وفي عدد الأبيات.
[8554]:في الآية (32)، وفيها يقول عز وجل: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}.