المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ} (226)

وقوله ، { وأنهم يقولون ما لا يفعلون } ، ذكر لتعاطيهم وتعمقهم في مجاز الكلام حتى يؤول إلى الكذب ، وفي هذا اللفظ عذر لبعضهم أحياناً فإنه يروى أن النعمان بن عدي لما ولاه عمر بن الخطاب ميسان وقال لزوجته الشعر المشهور عزله عمر فاحتج عليه بقوله تعالى : { وأنهم يقولون ما لا يفعلون } فدرأ عنه عمر الحد في الخمر{[8973]} ، وروى جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من مشى سبع خطوات في شعر كتب من الغاوين » ذكره أسد بن موسى وذكره النقاش .


[8973]:النعمان بن عدي بن نضلة، ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاية ميسان، فقال شعرا جاء فيه: من مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا بالجوسق المتهدم فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إليه بالقدوم، فلما قدم قال له: أي والله إنه ليسوؤني ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين، ما فعلت شيئا مما قلت، وإنما كان من فضلة القول، وقد قال الله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون}، فقال له عمر رضي الله عنه: أما عذرك فقد درأ عنك الحد، ولكن لا تعمل لي أبدا وقد قلت ما قلت. وقد روي أن سليمان بن عبد الملك سمع قول الفرزدق: فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام فقال له: قد وجب عليك الحد، قال الفرزدق: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله: {وأنهم يقولون ما لا يفعلون}.