المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

هذا الاستثناء هو في شعراء الإسلام كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكل من اتصف بهذه الصفة ، ويروى عن عطاء بن يسار وغيره أن هؤلاء شق عليهم ما ذكر قبل في الشعراء وذكروا ذلك للنبي عليه السلام فنزلت آية الاستثناء بالمدينة{[8974]} ، وقوله { وذكروا الله كثيراً } يحتمل أن يريد في أشعارهم وهو تأويل ابن زيد ، ويحتمل أن يريد أن ذلك خلق لهم وعبادة وعادة قاله ابن عباس ، وهذا كما قال لبيد حين طلب منه شعره إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيراً منه وكل شاعر في الإسلام يهجو ويمدح من غير حق ولا يرتدع عن قول دنيء فهم داخلون في هذه الآية وكل تقي منهم يكثر من الزهد ويمسك عن كل ما يعاب فهو داخل في الاستثناء ، وقوله { وانتصروا } إشارة إلى ما قاله من الشعر علي وغيره في قريش قال قتادة وفي بعض القراءة ، «وانتصروا بمثل ما ظلموا » ، وباقي الآية وعيد للظلمة كفار مكة وتهديد لهم ، وعمل { ينقلبون } في { أي } لتأخيره{[8975]} . والحول والقوة لله عز وجل ، والله تبارك وتعالى أعلم .


[8974]:أخرج مثله عن أبي هريرة ابن مردويه، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر حكمة) قال: (وأتاه قرظة بن كعب، وعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت فقالوا: إنا نقول الشعر،و قد نزلت هذه الآية، فقال رسول الله عليه الله عليه: اقرؤوا، فقروا: {والشعراء.... إلى قوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال : أنتم هم، {وذكروا الله كثيرا}، قال: أنتم هم: {وانتصروا من بعد ما ظلموا} قال: أنتم هم).
[8975]:ومعنى {أي منقلب ينقلبون}: أي مصير يصيرون، وأي مرجع يرجعون؛ لأن مصيرهم إلى النار وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العذاب وهو شر مرجع وقال الماوردي: الفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب هو الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع هو العود إلى حال كان عليها من حال هو فيها، فصار كل مرجع منقلبا، وليس كل منقلب مرجعا. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كتب أبي في وصيته سطرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أبو بكر بن قحافة عند خروجه من الدنيا، حين يؤمن الكافر، ويتقي الفاجر، ويصدق الكاذب: إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فإن يعدل فذلك ظني به ورجائي فيه، وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".