المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قِيلَ ٱدۡخُلِ ٱلۡجَنَّةَۖ قَالَ يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُونَ} (26)

فقيل له عند موته { ادخل الجنة } وذلك والله أعلم بأن عرض عليه مقعده منها ، وتحقق أنه من ساكنيها برؤيته ما أقر عينه ، فلما تحصل له ذلك تمنى أن يعلم قومه بذلك ، وقيل أراد بذلك الإشفاق والتنصح لهم ، أي لو علموا بذلك لآمنوا بالله تعالى ، وقيل أراد أن يعلموا ذلك فيندموا على فعلهم به ويحزنهم ذلك ، وهذا موجود في جبلة البشر إذا نال خيراً في بلد غربة ود أن يعلم ذلك جيرانه وأترابه الذين نشأ فيهم ولا سيما في الكرامات ، ونحو من ذلك قول الشاعر :

والعز مطلوب وملتمس . . . وأحبه ما نيل في الوطن

قال القاضي أبو محمد : والتأويل الأول أشبه بهذا العبد الصالح ، وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم «نصح قومه حياً وميتاً »{[2]} ، وقال قتادة بن دعامة : نصحهم على حالة الغضب والرضى ، وكذلك لا تجد المؤمن إلا ناصحاً للناس ، و «ما » في قوله تعالى : { بما } يجوز أن تكون مصدرية أي بغفران ربي لي ، ويجوز أن تكون بمعنى الذي ، وفي غفر ضمير عائد محذوف قال الزهراوي : ويجوز أن يكون استفهاماً ثم ضعفه{[3]} .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.