المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَمَا يَذۡكُرُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ هُوَ أَهۡلُ ٱلتَّقۡوَىٰ وَأَهۡلُ ٱلۡمَغۡفِرَةِ} (56)

ثم أخبر تعالى أن ذكر الإنسان معاده وجريه إلى فلاحه إنما هو كله بمشيئة الله تعالى وليس يكون شيء إلاّ بها ، وقرأ نافع وأهل المدينة وسلام ويعقوب : «تذكرون » بالتاء من فوق ، وقرأ أبو جعفر وعاصم وأبو عمرو والأعمش وطلحة وابن كثير وعيسى والأعرج : «يذكرون » بالياء من تحت ، وروي عن أبي جعفر بالتاء من فوق وشد الذال كأنه تتذكرون فأدغم ، وقوله تعالى : { هو أهل التقوى وأهل المغفرة } خبر جزم معناه : أن الله تعالى أهل بصفاته العلى ونعمه التي لا تحصى ونقمه التي لا تدفع لأن يتقى ويطاع ويحذر عصيانه وخلاف أمره ، وأنه بفضله وكرمه أهل أن يغفر لعباده إذا اتقوه ، وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية فقال : «يقول ربكم جلت قدرته وعظمته : أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله غيري ومن اتقى أن يجعل معي إلهاً غيري فأنا أغفر له ، »{[11458]} وقال قتادة : معنى الآية هو أهل أن تتقى محارمه وأهل أن يغفر الذنوب .

نجز تفسير سورة المدثر والحمد لله كثيراً .


[11458]:أخرجه الإمام أحمد، والدارمي، والترمذي، وحسنه، والنسائي، وابن ماجه، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عدي وصححه، وابن مردويه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وذكر ابن كثير في تفسيره أن البغوي وغيره رواه من حديث سهيل بن عبد الله القطعي به، وذكر أيضا عن الترمذي أنه قال:"حسن غريب وسهيل ليس بالقوي"، وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن دينار قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم يقولون: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) قال: (يقول الله: أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي شريك، فإذا اتقيت ولم يجعل معي شريك فأنا أهل أن أغفر ما سوى ذلك).