الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ} (11)

وظاهرُ قولهِ : { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ } أَنَّ الإعطاءَ والبخلَ المذكورين إنما هما في المال .

وقوله تعالى : { إِذَا تردى } ، قال قتادة وغيره : معناه تردَّى في جهنم . وقال مجاهد : { تردى } معناه : هَلَكَ من الردَّى ، وخَرَّج البخاريُّ وغيرُه عن علي رضي اللَّه عنه قال : كُنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَقِيعِ الغَرْقَدِ في جِنَازَةٍ ، فقالَ : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ، أوْ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَإلاَّ قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ، أفَلاَ نتَّكِلُ على كِتَابِنَا ، وَنَدَعُ الْعَمَلَ ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ ؛ فَسَيَصِيرُ إلى أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ ؛ فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ ؟ قال : أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ ، فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ ، فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ، ثُمَّ قَرَأَ : { فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى * وَصَدَّقَ بالحسنى } إلى قوله : { للعسرى } وفي روايةٍ ، لَمَا قيلَ له : أفَلاَ نتَّكِلُ على كِتَابِنَا ؟ قال : لاَ ؛ بَلِ اعملوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " الحديثَ ، وخرَّجه الترمذيُّ أيضاً ، انتهى . قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه » : " وسأَلَ شَابَّانِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالاَ : العَملُ فِيما جَفَّتْ بهِ الأَقْلاَمُ وجَرَتْ بهِ المَقَادِيرُ أَمْ في شَيْءٍ مُسْتَأْنَفٍ ؟ فقال : بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلاَمُ ، وجَرَتْ بِهِ المَقَادِيرُ ، قَالاَ : فَفِيمَ العَمَلُ إذَنْ : قَالَ : اعملوا ؛ فَكُلُّ مُيسَّر لِعَمَلِهِ الَّذِي خُلِقَ له قالا : فالآنَ نَجِدُّ ونَعْمَلُ " انتهى . وقال قوم : معنى تردى ، أي : بأكْفَانِهِ مِنَ الرِّدَاءِ ؛ ومنه قول الشاعر :

نُصِيبُكَ مِمَّا تَجْمَعُ الدَّهْرَ كُلَّهُ *** رَدَاءَانِ تلوى فِيهِمَا وَحَنُوطُ