معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ} (20)

قوله تعالى : { بينهما برزخ } حاجز من قدرة الله تعالى ، { لا يبغيان } لا يختلطان ولا يتغيران ولا يبغي أحدهما على صاحبه . وقال قتادة : لا يطغيان على الناس بالغرق . وقال الحسن : مرج البحرين يعني بحر الروم وبحر الهند ، وأنتم الحاجز بينهما . وعن قتادة أيضاً : بحر فارس وبحر الروم بينهما برزخ يعني الجزائر . قال مجاهد والضحاك : بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ} (20)

والمراد بالبرزخ الذي بينهما : الفاصل بين الماءين الحلو والملح بحيث لا يغير أحد البحرين طعم الآخر بجواره . وذلك بما في كل ماء منهما من خصائص تدفع عنه اختلاط الآخر به . وهذا من مسائل الثقل النوعي . وذكر البرزخ تشبيه بليغ ، أي بينهما مثل البرزخ وهو معنى { لا يبغيان } ، أي لا يبغي أحدهما على الآخر ، أي لا يغلب عليه فيُفسدَ طعمه فاستعير لهذه الغلبة لفظ البغي الذي حقيقته الاعتداء والتظلم .

ويجوز أن تكون التثنية تثنية بحرَيْن ملحين معينين ، والتعريف حينئذٍ تعريف العهد الحضوري ، فالمراد : بحران معروفان للعرب . فالأظهر أن المراد : البحر الأحمر الذي عليه شطوط تهامة مثل : جُدّة ويُنبع النخل ، وبحر عُمان وهو بحر العرب الذي عليه حَضْرموت وعَدَن من بلاد اليمن .

والبرزخ : الحاجز الفاصل ، والبرزخ الذي بين هذين البحرين هو مضيق باب المَنْدبَ حيث يقع مرسى عَدَن ومرسى زَيلع .

ولما كان في خلق البحرين نعم على الناس عظيمة منها معروفة عند جميعهم فإنهم يسيرون فيهما كما قال تعالى : { وترى الفلك مواخر فيه } [ النحل : 14 ] وقال : { هو الذي يسيرّكم في البر والبحر } [ يونس : 22 ] واستخراج سمكه والتطهر بمائه . ومنها معروفة عند العلماء وهي مَا لأَمْلاَححِ البحر من تأثير في تنقية هواء الأرض واستجلاب الأمطار وتلقي الأجرام التي تنزل من الشهب وغير ذلك .

وجملة { يلتقيان } وجملة { بينهما برزخ } حالان من { البحرين } .

وجملة { لا يبغيان } مبينة لجملة { بينهما برزخ } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ} (20)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{بينهما برزخ} يعني حاجزا حجز الله أحدهما عن الآخر بقدرته ف {لا يبغيان} يعني لا يبغي أحدهما على الآخر، فلا يختلطان ولا يتغير طعمهما، وكان هذا من النعم، فلذلك قال: {فبأي آلاء ربكما}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ "يقول تعالى ذكره: بينهما حاجز... لا يُفسد أحدهما صاحبه فيبغي بذلك عليه، وكل شيء كان بين شيئين فهو برزخ عند العرب، وما بين الدنيا والآخرة برزخ...

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: "لا يَبْغِيانِ"؛

فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يبغي أحدهما على صاحبه...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهما لا يختلطان...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يبغيان على اليَبَس...

وقال آخرون: بل معناه: لا يبغيان أن يلتقيا...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف البحرين اللذين ذكرهما في هذه الآية أنهما لا يبغيان، ولم يخصص وصفهما في شيء دون شيء، بل عمّ الخبر عنهما بذلك، فالصواب أن يُعَمّ كما عمّ جلّ ثناؤه، فيقال: إنهما لا يبغيان على شيء، ولا يبغي أحدهما على صاحبه، ولا يتجاوزان حدّ الله الذي حدّه لهما.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{بينهما برزخ لا يبغيان} أي بين البحرين حجاب، يخبر عن لطفه في منعهما عن الامتزاج، ومن طبع الماء الامتزاج والاختلاط...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح...

والمعقول يشهد بذلك، لأن تداخل الأجسام غير ممكن، لكن التفرق والالتقاء ممكن.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{بينهما برزخ} أي حاجز عظيم من القدرة المجردة على الأول وتسيب الأرض على الثاني يمنعهما مع الالتقاء من الاختلاط...

{لا يبغيان} أي لا يطغيان في هلاك الناس كما طغيا فأهلكا من على الأرض أيام نوح عليه الصلاة والسلام، ولا يبغي واحد منهما على الآخر بالممارجة، ولا يتجاوزان ما حده لهما خالقهما ومدبرهما لا في الظاهر ولا في الباطن، فمتى حفرت على جنب المالح وجدت الماء العذب، وإن قربت الحفرة منه بل كلما قربت كان أحلى، فخلطهما الله سبحانه في رأى العين وحجز بينهما في رأى عين القدرة، هذا وهما جمادان لا نطق لهما ولا إدراك، فكيف يبغي بعضكم على بعض أيها المدركون العقلاء.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وبينهما برزخ من طبيعتهما من صنع الله. وتقسيم الماء على هذا النحو في الكرة الأرضية لم يجئ مصادفة ولا جزافا. فهو مقدر تقديرا عجيبا. الماء الملح يغمر نحو ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية ويتصل بعضه ببعض؛ ويشغل اليابس الربع. وهذا القدر الواسع من الماء المالح هو اللازم بدقة لتطهير جو الأرض وحفظه دائما صالحا للحياة ....

.... وتصب جميع الأنهار -تقريبا- في البحار. وهي التي تنقل إليها أملاح الأرض، فلا تغير طبيعة البحار ولا تبغي عليها. ومستوى سطوح الأنهار أعلى في العادة من مستوى سطح البحر، ومن ثم لا يبغي البحر على الأنهار التي تصب فيه، ولا يغمر مجاريها بمائه الملح، فيحولها عن وظيفتها ويبغي على طبيعتها! وبينهما دائما هذا البرزخ من صنع الله. فلا يبغيان...