اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ} (20)

قوله : «بينهما بَرْزَخ » أي : حاجز{[54405]} ، «لا يبْغِيَان » ، فعلى القول الأول بأنهما بحر السماء ، وبحر الأرض ، فالحاجز الذي بينهما هو ما بين السماء والأرض . قاله الضحاك .

وعلى الأقوال الباقية : الحاجز : هو الأرض التي بينهما . قاله الحسن وقتادة .

وقال بعضهم : الحاجز : هو القدرة الإلهية .

وقوله : «لا يَبْغِيَان » . قال قتادة : لا يبغيان على النَّاس فيغرقانهم ، جعل بينهم وبين الناس اليبس .

وقال مجاهد وقتادة أيضاً : لا يبغي أحدهما على صاحبه فيغلبه .

وقال ابن زيد : «لا يبغيان » أي يلتقيان{[54406]} ، تقديره : مرج البحرين يلتقيان لولا البرزخ الذي بينهما لا يبغيان أن يلتقيا .

وقيل : البرزخ ما بين الدنيا والآخرة ، أي : بينهما مدة قدرها الله تعالى ، وهي مدة الدنيا فهما لا يبغيان ، فإذا أذنَ الله بانقضاء الدنيا صار البحران شيئاً واحداً ، وهو كقوله تعالى : { وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ } [ الانفطار : 3 ] .

وقال سهل بن عبد الله : البحران : طريق الخير والشر ، والبرزخ الذي بينهما التوفيق والعصمة .

فصل في إحاطة البحار بالأرض

قال ابن الخطيب{[54407]} : إن الله - تعالى - خلق في الأرض بحاراً تحيط بها الأرض ، وخلق بحراً محيطاً بالأرض أحاط به الهواء ، كما قال به أهل الهيئةِ ، وهذه البحار التي في الأرض لها اتصال بالبحر المحيط ، ثم إنهما لا يبغيان على الأرض ، ولا يغطيانها بفضل الله لتكون الأرض بارزة يتخذها الإنسان مكاناً ، وعند النظر إلى أمر الأرض يحار الطبيعي ويتلجلج في الكلام ، فإن عندهم أن طبع الأرض يكون في المركز مغموراً بالماء ، ويكون الماء محيطاً بجميع جوانبه ، فإذا سألوا عن ظهور الأرض من الماء قالوا : جذب في الأرض .

فإذا قيل لهم : لماذا تجذب ؟ وما سبب الجذب ؟ .

فالذي عنده قليل من الحق أسند ذلك إلى إرادة الله تعالى ومشيئته ، والآخر يقول : ذلك بحسب اتصالات الكواكب وأوضاعها .

فإن قيل له : لماذا اختلفت أوضاع الكواكب على الوجه الذي أوجب البرد في بعض الأرض دون بعض ؟ بهت كما بهت الذي كفر ، ويرجع إلى الحق إن هداه الله تعالى .

وقال ابن الخطيب{[54408]} : ومعنى الآية أن الله - تعالى - أرسل بعض البحرين إلى بعض ، ومن شأنهما الاختلاط فحجزهما ببرزخ من قدرته ، فهما لا يبغيان ، أي : لا يجاوز كل واحدٍ منهما ما حد له .

و«البَغْي » : مجاوزة الحد ، أو من الابتغاء وهو الطَّلب ، أي : لا يطلبان غير ما قدر لهما{[54409]} .


[54405]:ينظر: القرطبي 17/106.
[54406]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/588).
[54407]:ينظر تفسير الرازي 29/89.
[54408]:ينظر: تفسير الرازي 29/89.
[54409]:ينظر: الحجة للقراء السبعة 6/246، وإعراب القراءات 2/334، 335، وحجة القراءات 691، والعنوان 184، وشرح شعلة 593، وشرح الطيبة 6/30، وإتحاف 2/510.