الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ} (20)

قوله : { يَلْتَقِيَانِ } : حالٌ من " البحرَيْنِ " وهي قريبةٌ من الحال المقدرةِ . ويجوز بتجوُّزِ أَنْ تكونَ مقارنَةً . و " بينهما بَرْزَخٌ " يجوز أن تكونَ جملةً مستأنفةً ، وأَنْ تكونَ حالاً ، وأَنْ يكونَ الظرفُ وحدَه هو الحالَ . والبَرْزَخ : فاعلٌ به وهو أحسنُ لقُرْبه من المفرد . وفي صاحبِ الحال وجهان ، أحدُهما : هو " البحرَيْن " ، والثاني : هو فاعلُ " يَلْتقيان " ولا " يَبْغِيان " حالٌ أخرى كالتي قبلَها أي : مَرَجَهما غيرَ باغيَيْن ، أو يلتقيان غيرَ باغيين ، أو بينهما بَرْزَخٌ في حالِ عَدَمِ بَغْيهما . وهذه الحالُ في قوة التعليل ؛ إذ المعنى : لئلا يَبْغِيا . وقد تَمَحَّل بعضُهم وقال : أصلُ ذلك لئلا يَبْغِيا ، ثم حَذَفَ حرفَ العلة ، وهو مُطَّرِدٌ مع " أَنْ " و " أَنَّ " ، ثم حُذِفَتْ " أَنْ " أيضاً وهو حَذْفٌ مُطَّرِد كقولِه تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ } [ الروم : 24 ] فلمَّا حُذِفَتْ " أَنْ " ارتفع الفعلُ ، وهذا غيرُ ممنوعٍ ، إلاَّ أنه يتكرَّرُ فيه الحَذْفُ ، وله أَنْ يقولَ : قد جاء الحَذْفُ أكثرَ مِنْ ذلك فيما هو أَخْفَى من هذا ، كما تقدَّم في { قَابَ قَوْسَيْنِ } [ النجم : 9 ] ، وكما سيأتي في قولِه : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } [ الواقعة : 82 ] .