معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَيَسۡتَخۡلِفُ رَبِّي قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (57)

قوله تعالى : { فإن تولوا } ، أي : تتولوا ، يعني : تعرضوا عما دعوتكم إليه ، { فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم } ، أي : إن أعرضتم يهلككم الله عز وجل ويستبدل لكم قوما غيركم أطوع منكم ، يوحدونه ويعبدونه ، { ولا تضرونه شيئاً } ، بتوليكم وإعراضكم ، إنما تضرون أنفسكم . وقيل : لا تنقصونه شيئا إذا أهلككم لأن وجودكم وعدمكم عند سواء ، { إن ربي على كل شيء حفيظ } ، أي : لكل شيء حافظ ، يحفظني من أن تنالوني بسوء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَيَسۡتَخۡلِفُ رَبِّي قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (57)

قرأ الجمهور : «تولَّوا » بفتح اللام والتاء على معنى تتولوا ، وقرأ عيسى الثقفي والأعرج : «تُولُوا » بضم التاء واللام ، و { إن } شرط ، والجواب في الفاء وما بعدها من قوله { فقد أبلغتكم }{[6392]} ، والمعنى أنه ما علي كبير همّ منكم إن توليتم فقد برئت ساحتي بالتبليغ ، وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان . ويحتمل أن يكون { تولوا } فعلاً ماضياً ، ويجيء في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب ، أي فقل : قد أبلغكم .

وقرأ جمهور «ويستخلفُ » بضم الفاء على معنى الخبر بذلك ، وقرأ عاصم - فيما روى هبيرة عن حفص عنه - «ويستخلفْ » بالجزم عطفاً على موضع الفاء من قوله { فقد } .

وقوله : { ولا تضرونه شيئاً } يحتمل من المعنى وجهين :

أحدهما ولا تضرونه بذهابكم وهلاككم شيئاً أي لا ينتقص ملكه ، ولا يختل أمره ، وعلى هذا المعنى قرأ عبد الله بن مسعود : «ولا تنقصونه شيئاً » .

والمعنى الآخر : { ولا تضرونه } أي ولا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء ولا على الانتصار منه ولا تقابلون فعله بكم بشيء يضره{[6393]} . ثم أخبرهم أن ربه { حفيظ } على كل شيء عالم به ، وفي ترديد هذه الصفات ونحوها تنبيه وتذكير .


[6392]:- وصحّ أن يكون جوابا لأن في إبلاغه إليهم رسالته تضمن ما يحل بهم من العذاب المستأصل، فكأنه قيل: فإن تتولوا استؤصلتم بالعذاب، ويدل على ذلك الجملة الخبرية وهي قوله: {ويستخلف ربي قوما غيركم}.
[6393]:- قال أبو حيان: "وهذا فعل منفي ومدلوله نكرة فينتفي جميع وجوه الضرر، ولا يتعين واحد منها".