نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّآ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَيَسۡتَخۡلِفُ رَبِّي قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (57)

ولما استوفى تشييده أمره وهدم قولهم ، أخذ يحذرهم فقال مبيناً أن العدول عما جاء به لا يكون إلا بمعالجة الطبع السليم : { فإن{[39496]} تولوا } ولو أدنى تولية - بما يشير إليه حذف التاء ، فعليكم اللوم دوني ، لأني فعلت ما عليّ { فقد } أي بسبب أني قد { أبلغتكم{[39497]} ما{[39498]} } أي كل شيء { أرسلت } أي تقدم{[39499]} إرسالي من{[39500]} عند من لا مرسل في الحقيقة غيره { به إليكم } كاملاً لم أدع منه شيئاً رجاء لإقبالكم ولا خوفاً من إعراضكم ، فأبيتم إلا التكذيب لي{[39501]} والاستكبار عما جئت به ، فالذي أرسلني ينتقم منكم فيهلككم { ويستخلف ربي } أي يوجد المحسن إليّ بإقامتي فيما يرضيه { قوماً غيركم } يخلفونكم في دياركم وأموالكم ، فتكونون أعداءه ، ويكون المستخلفون متعرضين لأن يكونوا أولياء مع كونهم ذوي بأس وقوة{[39502]} فيختص الضرر بكم { ولا تضرونه } أي الله بإعراضكم { شيئاً } ثم علل وعيده لهم بقوله مؤكداً لأن العاصي فاعل بعصيانه فعل{[39503]} من يظن{[39504]} أن الله غافل عنه : { إن ربي } أي المحسن إليّ المدبر لمصالحي .

ولما كان الأهم في هذا السياق بيان استعلائه وقدرته ، قدم قوله : { على كل شيء } صغير أو كبير جليل أو حقير{ حفيظ* } أي عالم بكل شيء وقادر على كل شيء و{[39505]} بالغ الحفظ له ، فيعلم ما يعمل محفوظه فيجازيه بما يستحق من نعمه ونقمه ، فهو تعليل لاستخلاف غيرهم وتنزهه عن لحوق ضرر ، لأن الحفظ : الحراسة ، ويلزمها العلم والقدرة ، فمن القدرة حافظ العين ، أي{[39506]} لا يغلبه نوم ، والحفيظة - للحمية والغضب ، ومنهما{[39507]} معاً المحافظة - للمواظبة على الشيء ؛ والتوالي عن الشيء : الذهاب إلى غير جهته إعراضاً عنه ؛ والإبلاغ : إلحاق الشيء نهايته ؛ والاستخلاف : جعل الثاني بدلاً من الأول يقوم مقامه ؛ والضر{[39508]} : إيجاب الألم بفعله أو التسبب له .


[39496]:من القرآن الكريم وظ، وفي الأصل ومد: وإن.
[39497]:من ظ ومد والقرآن الكريم، وفي الأصل: بلغتكم.
[39498]:تأخر في الأصل عن "كل شيء" والترتيب من ظ ومد.
[39499]:من ظ ومد، وفي الأصل: بعدم ـ كذا.
[39500]:سقط من ظ.
[39501]:سقط من مد.
[39502]:زيد من ظ ومد.
[39503]:سقط من ظ.
[39504]:في ظ: ظن.
[39505]:زيد من ظ ومد.
[39506]:في مد: أن.
[39507]:في ظ: منها.
[39508]:في ظ: الضرر.