معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَضِيقُ صَدۡرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَٰرُونَ} (13)

قوله تعالى : { ويضيق صدري } من تكذيبهم إياي ، { ولا ينطلق لساني } قال : هذا للعقدة التي كانت على لسانه ، قرأ يعقوب ويضيق ، ولا ينطلق بنصب القافين على معنى وأن يضيق ، وقرأ العامة برفعهما رداً على قوله : إني أخاف { فأرسل إلى هارون } ليوازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَضِيقُ صَدۡرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَٰرُونَ} (13)

{ قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون } رتب استدعاء ضم أخيه إليه وإشراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة : خوف التكذيب وضيق القلب انفعالا عنه ، وازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق لأنها إذا اجتمعت مست الحاجة إلى معين يقوي قلبه وينوب منابه متى تعتريه حبسة حتى لا تختل دعوته ولا تنبثر حجته ، وليس ذلك تعللا منه وتوقفا في تلقي الأمر ، بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله وتمهيد عذره فيه ، وقرأ يعقوب { ويضيق } { ولا ينطلق } بالنصب عطفا على{ يكذبون } فيكونان من جملة من خاف منه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَضِيقُ صَدۡرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَٰرُونَ} (13)

وقرأ جمهور الناس «ويضيقُ » بالرفع و «ينطلقُ » كذلك ، وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى ذلك بالنصب فيهما ، فقراءة الرفع هي إخبار من موسى بوقوع ضيق صدره وعدم انطلاق لسانه ، وبهذا رجح أبو علي هذه القراءة ، وقراءة النصب تقتضي أن ذلك داخل تحت خوفه وهو عطف على { يكذبون } ، وكان في خلق موسى عليه السلام حد وكان في لسانه حبسة بسبب الجمرة في طفولته ، وحكى أبو عمرو عن الأعرج أنه قرأ بنصب «ويضيقَ » وبرفع «ينطلقُ » وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة ، فإذا كان هذا في وقت ضيق صدر ولم ينطلق اللسان ، وقد قال موسى عليه السلام { واحلل عقدة من لساني }{[8911]} [ طه : 27 ] فالراجح قراءة الرفع ، وقوله تعالى : { فأرسل إلى هارون } معناه يعينني ويؤازرني ، وكان هارون عليه السلام فصيحاً واسع الصدر ، فحذف بعض المراد من القول إذ باقيه دال عليه .


[8911]:الآية 27 من سورة طه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَضِيقُ صَدۡرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَٰرُونَ} (13)

{ يضيق صدري } قرأه الجمهور بالرفع فهو عطف على { أخاف } أو تكون الواو للحال فتكون حالاً مقدرة ، أي والحال يضيق ساعتئذ صدري من عدم اهتدائهم .

والضَيق : ضد السعة ، وهو هنا مستعار للغضب والكمد لأن من يعتريه ذلك يحصل له انفعال وينشأ عنه انضغاط الأعصاب في الصدر والقلب من تأثير الإدراك الخاص على جمع الأعصاب الكائن بالدماغ الذي هو المُدرك فيحس بشبه امتلاء في الصدر . وقد تقدم عند قوله تعالى : { يجعلُ صدرَه ضيّقاً حرجاً } [ الأنعام : 125 ] وقوله : { وضائق به صدرُك } في سورة هود ( 12 ) . والمعنى : أنه يأسف ويكمد لتكذيبهم إياه ويجيش في نفسه روم إقناعهم بصدقه ، وتلك الخواطر إذا خطرت في العقل نشأ منها إعداد البراهين ، وفي ذلك الإعداد تكلّف وتعب للفكر فإذا أبانها أحس بارتياح وبشبه السعة في الصدر فسمى ذلك شرحاً للصدر ، ولذلك سأله موسى في الآية الأخرى قال : { ربّ اشرح لي صدري } [ طه : 25 ] .

والانطلاق حقيقته مطاوع أطلقه إذا أرسله ولم يحبسه فهو حقيقة في الذهاب . واستعير هنا لفصاحة اللسان وبيانه في الكلام ، أي ينحبس لساني فلا يبين عند إرادة المحاجة والاستدلالِ وعطفه على { يضيق صدري } ينبىء بأنه أراد بضيق الصدر تكاثر خواطر الاستدلال ، في نفسه على الذين كذبوه ليقنعهم بصدقه حتى يحسّ كأن صدره قد امتلأ ، والشأن أن ذلك ينقُص شيئاً بعد شيء بمقدار ما يفصح عنه صاحبه من إبلاغه إلى السامعين ، فإذا كانت في لسانه حبسة وعِيٌّ بقيت الخواطر متلجلجة في صدره . والمعنى : ويضيق صدري حين يكذبونني ولا ينطلق لساني .

وقرأ الجمهور : { يضيقُ . . . ولا ينطلقُ } مرفوعين عطفاً على { أخاف } ولذلك حقّقه بحرف التأكيد لأنه أيقن بحصول ذلك لأنه جبلي عند تلقي التكذيب ، ولأن أمانة الرسالة والحرص على تنفيذ مراد الله يحدث ذلك في نفسه لا محالة ، وإذ قد كان انحباس لسانه يقيناً عنده لأنه كان كذلك من أجل ذلك التيقن كان فعلا { يضيق . . . ولا ينطلق } معطوفين على ما هو محقق عنده وهو حصول الخوف من التكذيب ، ولم يكونا معطوفين على { يكذبون } المخوف منه المتوقع على أن كونه محقق الحصول يجعله أحرى من المتوقع .

وقرأ يعقوب { ويضيقَ . . . ولا ينطلقَ } بنصب الفعلين عطفاً على { يكذبون } ، أي يتوقع أن يضيقَ صدره ولا ينطلقَ لسانُه . قيل كانت بموسى حُبسة في لسانه إذا تكلم . وقد تقدم في سورة طَه وسيجيء في سورة الزخرف .

وليس القصد من هذا الكلام التنصل من الاضطلاع بهذا التكليف العظيم ولكن القصد تمهيد ما فرعه عليه من طلب تشريك أخيه هارون معه لأنه أقدر منه على الاستدلال والخطابة كما قال في الآية الأخرى { وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي } [ القصص : 34 ] . فقوله هنا { فأرسل إلى هارون } مُجمل يبيّنه ما في الآية الأخرى فيعلم أن في الكلام هنا إيجازاً . وأنه ليس المراد : فأرسل إلى هارون عِوَضاً عني .

وإنما سأل الله الإرسالَ إلى هارون ولم يسأله أن يكلّم هارون كما كلّمه هو لأن هارون كان بعيداً عن مكان المناجاة . والمعنى : فأرسل مَلَكاً بالوحي إلى هارون أن يكون معي .