ويضيق وينطلق ، بالرفع ؛ لأنهما معطوفان على خبر إنّ ، وبالنصب لعطفهما على صلة أن . والفرق بينهما في المعنى : أنّ الرفع يفيد أنّ فيه ثلاث علل : خوف التكذيب ، وضيق الصدر ، وامتناع انطلاق اللسان ، والنصب على أنّ خوفه متعلق بهذه الثلاثة .
فإن قلت : في النصب تعليق الخوف بالأمور الثلاثة ، وفي جملتها نفي انطلاق اللسان . وحقيقة الخوف إنما هي غم يلحق الإنسان لأمر سيقع ، وذلك كان واقعاً ، فكيف جاز تعليق الخوف به ؟ قلت : قد علق الخوف بتكذيبهم وبما يحصل له بسببه من ضيق الصدر ، والحبسة في اللسان زائدة على ما كان به ، على أنّ تلك الحبسة التي كانت به قد زالت بدعوته . وقيل : بقيت منها بقية يسيرة .
فإن قلت : أعتذارك هذا يردّه الرفع ، لأنّ المعنى : إني خائف ضيق الصدر غير منطلق اللسان . قلت : يجوز أن يكون هذا قبل الدعوة واستجابتها ، ويجوز أن يريد القدر اليسير الذي بقي به ، ويجوز أن لا يكون مع حل العقدة من لسانه من الفصحاء المصاقع الذين أوتوا سلاطة الألسنة وبسطة المقال ، وهارون كان بتلك الصفة ، فأراد أن يقرن به . ويدل عليه قوله تعالى : { وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً } [ القصص : 34 ] ومعنى : { فَأَرْسِلْ إلى هارون } : أرسل إليه جبريل ، واجعله نبياً ، وآزرني به ، واشدد به عضدي ، وهذا كلام مختصر . وقد بسطه في غير هذا الموضع ، وقد أحسن في الاختصار حيث قال : { فَأَرْسِلْ إلى هارون } فجاء بما يتضمن معنى الاستنباء ، ومثله في تقصير الطويلة والحسن قوله تعالى : { فَقُلْنَا اذهبا إِلَى القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا فدمرناهم تَدْمِيراً } [ الفرقان : 36 ] حيث اقتصر على ذكر طرفي القصة أوّلها وآخرها ، وهما الإنذار والتدمير ، ودلّ بذكرهما على ما هو الغرض من القصة الطويلة كلها ، وهو أنهم قوم كذبوا بآيات الله ، فأراد الله إلزام الحجة عليهم ، فبعث إليهم رسولين فكذبوهما ، فأهلكهم .
فإن قلت : كيف ساغ لموسى عليه السلام أن يأمره الله بأمر فلا يتقبله بسمع وطاعة من غير توقف وتشبث بعلل ، وقد علم أن الله من ورائه ؟ قلت : قد امتثل وتقبل ، ولكنه التمس من ربه أن يعضده بأخيه حتى يتعاونا على تنفيذ أمره وتبليغ رسالته ، فمهد قبل التماسه عذره فيما التمسه ، ثم التمس بعد ذلك ، وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر : ليس بتوقف في امتثال الأمر ، ولا بتعلل فيه ؛ وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل لا على التعلل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.