السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيَضِيقُ صَدۡرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَٰرُونَ} (13)

{ ويضيق صدري } من تكذيبهم لي { ولا ينطلق لساني } بأداء الرسالة للعقدة التي فيه بواسطة تلك الجمرة التي لذعته في الطفولة { فأرسل } أي : فتسبب عن ذلك الذي اعتذرت به عن المبادرة إلى الذهاب عند الأمر طلب الإرسال { إلى هارون } أخي ليكون لي عضداً على ما أمضي له من الرسالة ، فيحتمل أن تكون تلك العقدة باقية عند الرسالة ، وأن تكون قد زالت عند الدعوة ، ولكن لا يكون مع حل العقدة من لسانه من الفصحاء المصاقع الذين أوتوا سلاطة الألسنة وبسطة المقال ، وهارون كان بتلك الصفة فأراد أن يقرن به ، ويدل عليه قوله تعالى : { وأخي هارون هو أفصح مني لساناً } ( القصص : 34 ) ومعنى فأرسل إلى هارون : أرسل إليه جبريل واجعله نبياً وأزرني به واشدد به عضدي ، وهذا الكلام مختصر وقد بسطه في غير هذا الموضع وقد أحسن في الاختصار حيث قال : { فأرسل إلى هارون } فجاء بما يتضمن معنى الاستنباء ، ومثله في تقصير الطويلة والحسن قوله تعالى : { فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمّرناهم تدميراً } ( الفرقان ، 36 ) حيث اقتصر على ذكر طرفي القصة أولها وآخرها وهما الإنذار والتدمير ، ودل بذكرهما على ما هو الغرض من القصة الطويلة كلها وهو أنهم قوم كذبوا بآيات الله فأراد الله إلزام الحجة عليهم فبعث إليهم رسولين فكذبوهما فأهلكهم .

فإن قيل : كيف ساغ لموسى عليه السلام أن يأمره ربه بأمر فلا يقبله بسمع وطاعة من غير توقف وتشبث بعلل ، وقد علم أن الله تعالى عليم بحاله ؟ أجيب : بأنه قد امتثل وتقبل ولكنه التمس من ربه أن يعضده بأخيه حتى يتعاونا على تنفيذ أمره وتبليغ رسالته فمهد قبل التماسه عذراً فيما التمسه ثم التمس بعد ذلك ، وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر ليس بتوقف في امتثال الأمر ولا بتعلل فيه ، وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل لا على التعلل .