اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَضِيقُ صَدۡرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَٰرُونَ} (13)

قوله : { وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ }{[36936]} الجمهور على الرفع ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه مستأنف{[36937]} ، أخبر بذلك .

والثاني : أنه معطوف على خبر «إِنَّ »{[36938]} وقرأ زيدُ بن عليّ ، وطلحة ، وعيسى ، والأعمش بالنصب فيهما{[36939]} . والأعرج بنصب الأول ورفع الثاني{[36940]} . فالنصب عطف على صلة «أَنْ »{[36941]} فتكون الأفعال الثلاثة : «يُكَذِّبُونِ »{[36942]} وَ «يَضِيقُ » ، وَ «لاَ يَنْطَلِقُ » في حيِّز الخوف .

قال الزمخشري : «والفرق بينهما{[36943]} ، أي : الرفع والنصب ، أَنَّ الرفع{[36944]} يفيد أن فيه ثلاث عللٍ : خوفُ التكذيب ، وضيق الصدر ، وامتناع انطلاق اللسان ، والنصبُ على أنَّ خوفه متعلق بهذه الثلاثة . فإن قلت : في النصب تعليق الخوف بالأمور الثلاثة ، وفي جُمْلَتِهَا نَفْيُ انطلاق اللسان ، وحقيقه الخوف إِنَّما يلحق الإنسان لأمر سيقع ، وذلك كان واقعاً ، فكيف جاز تعليق الخوف به ؟ قلت : قد عَلَّقَ الخوف بتكذيبهم ، وبما يحصل له من ضيق الصدر ، والحُبْسَة في اللسان زائدة على ما كان به ، على أن تلك الحُبْسَة التي كانت به زالت بدعوته . وقيل : بقيتْ منها بقيَّة يسيرة . فإن قلت : اعتذارك هذا يردّه الرفع ، لأنّ المعنى : إِنِّي خائفٌ ضيِّقُ الصدرِ غيرُ مُنْطَلِق اللسان ؟ قلت : يجوز أن يكون هذا قبل الدعوة واستجابتها ويجوز أن يريد القدر اليسير الذي بقي »{[36945]} .

قوله : «فَأَرْسِلْ » أي : فأرسل جبريلَ أو الملكَ ، فحذف المفعول به ، أي : ليؤازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة{[36946]} . قيل : إن الله تعالى أرسل موسى{[36947]} .

قال السُّدِّيّ : إن موسى - عليه السلام{[36948]} - سار بأهله إلى مصر ، والتقى بهارون وهو لا يعرفه ، فقال : أنا موسى ، فتعارفا ، وأمره أن ينطلق معه إلى فرعون لأداء الرسالة{[36949]} . وقيل : أرسل جبريل إليه كما يرسل إلى الأنبياء - عليهم السلام -{[36950]} فلما كان متعيناً لهذا الأمر حذف ذكر المرسل لكونه معلوماً{[36951]} .


[36936]:في ب:.... ولا ينطق لساني.
[36937]:انظر التبيان 2/994.
[36938]:انظر معاني القرآن للفراء 2/278.
[36939]:تفسير ابن عطية 11/94، البحر المحيط 7/7.
[36940]:قال أبو حيان: ( وحكى أبو عمرو الداني عن الأعرج أنه قرأ بنصب "ويضيق" ورفع "ولا ينطلق") البحر المحيط 7/7.
[36941]:انظر التبيان 2/994.
[36942]:في ب: يكون. وهو تحريف.
[36943]:في الكشاف: والفرق بينهما في المعنى.
[36944]:في النسختين: أن الرفع فيه.
[36945]:الكشاف 3/108-109.
[36946]:انظر الكشاف 3/109.
[36947]:انظر الفخر الرازي 24/123، البحر المحيط 7/8.
[36948]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[36949]:انظر: الفخر الرازي 24/123، البحر المحيط 7/8.
[36950]:في ب: عليهما الصلاة والسلام.
[36951]:انظر: الفخر الرازي 24/123.