يذكر تعالى تنويهه بذكر آدم في ملائكته قبل خلقه له ، وتشريفه إياه بأمره الملائكة بالسجود له . ويذكر تخلف إبليس عدوّه عن السجود له من بين سائر الملائكة ، حَسَدًا وكفرًا ، وعنادًا واستكبارًا ، وافتخارًا بالباطل ، ولهذا قال : { لَمْ أَكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ } كما قال في الآية الأخرى : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [ الأعراف : 12 ] وقوله : {[16155]} { أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا } [ الإسراء : 62 ]
وقد روى ابن جرير هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا ، من حديث شبيب بن بشر ، عن عِكْرمة ، عن ابن عباس قال : لما خلق الله الملائكة قال : إني خالق بشرًا من طين ، فإذا سويته{[16156]} فاسجدوا له . قالوا : لا نفعل . فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق ملائكة فقال لهم مثل ذلك ، [ فقالوا : لا نفعل . فأرسل عليهم نارًا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة أخرى فقال : إني خالق بشرًا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ]{[16157]} قالوا{[16158]} سمعنا وأطعنا ، إلا إبليس كان من الكافرين الأولين{[16159]}
و { سويته } معناه : كملته وأتقنته حتى استوت أجزاؤه على ما يجب ، وقوله : { من روحي } إضافة خلق وملك إلى خالق مالك ، أي من الروح الذي هو لي ولفظة الروح هنا للجنس .
وقوله : { فقعوا } من وقع يقع ، وفتحت القاف لأجل حرف الحلق ، وهذه اللفظة تقوي أن سجود الملائكة إنما كان على المعهود عندنا ، لا أنه خضوع وتسليم ، وإشارة ، كما قال بعض الناس ، وشبهوه بقول الشاعر [ أبي الأخزر الحماني ] : [ الطويل ]
فكلتاهما خرّت وأسجد رأسها . . . كما سجدت نصرانة لم تحنف{[7166]}
وهذا البيت يشبه أن يكون السجود فيه كالمعهود عندنا .
وحكى الطبري في تفسير هذه الآية عن ابن عباس : أنه قال : خلق الله ملائكة أمرهم بالسجود لآدم فأبوا ، فأرسل عليهم ناراً فأحرقتهم ، ثم خلق آخرين فأمرهم بالسجود فأطاعوا إلا إبليس فإنه كان من الأولين .
قال القاضي أبو محمد : وقول ابن عباس - من الأولين - يحتمل أن يريد في حالهم وكفرهم ، ويحتمل أن يريد : في أنه بقي منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.