مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} (29)

وأما قوله : { فإذا سويته } ففيه قولان : الأول : فإذا سويت شكله بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية . والثاني : فإذا سويت أجزاء بدنه باعتدال الطبائع وتناسب الأمشاج كما قال تعالى : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } .

وأما قوله : { ونفخت فيه من روحي } ففيه مباحث : الأول : أن النفخ إجراء الريح في تجاويف جسم آخر ، وظاهر هذا اللفظ يشعر بأن الروح هي الريح ، وإلا لما صح وصفها بالنفخ إلا أن البحث الكامل في حقيقة الروح سيجيء في قوله تعالى : { قل الروح من أمر ربي } وإنما أضاف الله سبحانه روح آدم إلى نفسه تشريفا له وتكريما . وقوله : { فقعوا له ساجدين } فيه مباحث : أحدها : أن ذلك السجود كان لآدم في الحقيقة أو كان آدم كالقبلة لذلك السجود ، وهذا البحث قد تقدم ذكره في سورة البقرة . وثانيها : أن المأمورين بالسجود لآدم عليه السلام كل ملائكة السموات أو بعضهم أو ملائكة الأرض ، من الناس من لا يجوز أن يقال : إن أكابر الملائكة كانوا مأمورين بالسجود لآدم عليه السلام ، والدليل عليه قوله تعالى في آخر سورة { الأعراف } في صفة الملائكة : { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون } فقوله : { وله يسجدون }

يفيد الحصر ، وذلك يدل على أنهم لا يسجدون إلا لله تعالى وذلك ينافي كونهم ساجدين لآدم عليه السلام أو لأحد غير الله تعالى ، أقصى ما في الباب أن يقال : إن قوله تعالى : { فقعوا له ساجدين } يفيد العموم ، إلا أن الخاص مقدم على العام . وثالثها : أن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى كما نفخ الروح في آدم عليه السلام وجب على الملائكة أن يسجدوا له ، لأن قوله : { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } مذكور بفاء التعقيب وذلك يمنع من التراخي .