فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ} (29)

{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ( 29 ) }

وكذا تفسير { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } أي سويت خلقه وعدلت صورته الإنسانية وخلقته البشرية وأكملت أجزاءه وأتممت خلقه ، أو سويت أجزاء بدنه بتعديل لبائعه .

{ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } النفخ إجراء الريح في تجاويف جسم آخر صالح لإمساكها والإمتلاء بها ، فمن قال إن الروح جسم لطيف كالهواء فمعناه ظاهر ، ومن قال إنه جوهر مجرد غير متحيز ولا حال في متحيز فمعنى النفخ عنده تهيؤ البدن لتعلق النفس الناطقة به ، ومن زائدة أو تبعيضية . قال النيسابوري : ولا خلاف في أن الإضافة في روحي للتشريف والتكريم ، مثل ناقة الله وبيت الله .

قال القرطبي : والروح جسم لطيف أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم وحقيقته إضافة خلق إلى خالق ، فالروح خلق من خلقه أضافه إلى نفسه تشريفا وتكريما ، قال ومثله روح منه ، وقد تقدم في النساء .

قال أبو السعود : وليس ثمة نفخ ولا منفوخ فيه وإنما هو تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها فإذا أكملت استعداده وأفضت عليه ما يحيى به من الروح التي هي من أمري .

{ فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } الفاء تدل على أن سجودهم واجب عليهم عقب التسوية والنفخ من غير تراخ وهو أمر بالوقوع ، من وقع يقع أي اسقطوا وخروا ، وفيه دليل على أن المأمور به هو السجود الحقيقي أي وضع الجبهة على الأرض لا مجرد الانحناء كما قال السيوطي ، وهذا السجود هو سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة ، ولله أن يكرم من يشاء من مخلوقاته كيف يشاء بما يشاء . وقيل كان السجود لله تعالى وكان آدم قبله تشريفا له ، وهذا وإن كان معنى صحيحا لكن يخالفه ظاهر النظم القرآني . والأولى ما دل عليه ظاهر اللفظ فالأول أولى والخطاب للملائكة الذين قال الله لهم إني خالق بشرا .