معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

قوله تعالى : { أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم } جدل بالباطل ، { مبين } بين الخصومة ، يعني : أنه مخلوق من نطفة ثم يخاصم ، فكيف لا يتفكر في بدء خلقه حتى يدع الخصومة ؟

77

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

قال مجاهد ، وعِكْرِمَة ، وعروة بن الزبير ، والسُّدِّي . وقتادة : جاء أُبي بن خلف [ لعنه الله ]{[24868]} إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم وهو يُفَتِّتُه ويذريه{[24869]} في الهواء ، وهو يقول : يا محمد ، أتزعم أن الله يبعث هذا ؟ فقال : «نعم ، يميتك الله تعالى ثم يبعثك ، ثم يحشرك إلى النار » . ونزلت هذه الآيات من آخر " يس " : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ } ، إلى آخرهن .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا عثمان بن سعيد الزيات ، عن هُشَيْم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير{[24870]} ، عن ابن عباس ، أن العاصى{[24871]} بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففتَّه بيده ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيحيي الله هذا بعد ما أرى ؟{[24872]} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم ، يميتك الله ثم يحييك ، ثم يدخلك جهنم » . قال : ونزلت الآيات من آخر " يس " .

ورواه ابن جرير عن يعقوب بن إبراهيم ، عن هُشَيْمٍ ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، فذكره ولم يذكر " ابن عباس " {[24873]} .

وروي من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : جاء عبد الله بن أبي بعظم ففَتَّه وذكر نحو ما تقدم .

وهذا منكر ؛ لأن السورة مكية ، وعبد الله بن أبي بن سلول إنما كان بالمدينة . وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أُبي بن خلف ، أو [ في ]{[24874]} العاص [ بن وائل ] ، {[24875]} أو فيهما ، فهي عامة في كل مَنْ أنكر البعث . والألف واللام في قوله : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ } للجنس ، يعم كل{[24876]} منكر للبعث .

{ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } أي : أولم يستدل مَنْ أنكر البعث بالبدء على الإعادة ، فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين ، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين ، كما قال تعالى : { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ } [ المرسلات : 20 - 22 ] . وقال { إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ } [ الإنسان : 2 ] أي : من نطفة من أخلاط متفرقة ، فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ كما قال {[24877]} الإمام أحمد في مسنده :

حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا حَريز ، حدثني عبد الرحمن بن مَيْسَرة ، عن جُبَيْر بن نفير ، عن بُسْر ابن جَحَّاش ؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَصق يوما في كفِّه ، فوضع عليها أصبعه ، ثم قال : «قال الله تعالى : ابن آدم ، أنَّى تُعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سَوَّيتك وعَدَلتك ، مشيت بين بردَيك وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت ، حتى إذا بَلَغَت التراقي قلت : أتصدقُ وأنَّى أوان الصدقة ؟ » . ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون ، عن جَرير بن عثمان ، به{[24878]} . ولهذا قال : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } ؟


[24868]:- زيادة من س، أ.
[24869]:- في أ : "ويذروه".
[24870]:- في ت : "وروى ابن أبي حاتم بسنده".
[24871]:- في ت، س، أ : "العاص".
[24872]:- في أ : "أرم".
[24873]:- تفسير الطبري (23/21).
[24874]:- زيادة من أ.
[24875]:- زيادة من س.
[24876]:- في س : "لكل".
[24877]:- في ت : "كما روى".
[24878]:- المسند (4/310) وسنن ابن ماجه برقم (2707) وقال البوصيري في الزوائد (2/364) : "إسناد حديثه صحيح ورجاله ثقات".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

{ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين } تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر ، وفيه تقبيح بليغ لإنكاره حيث عجب منه وجعله إفراطا في الخصومة بينا ومنافاة لجحود القدرة على ما هو أهون مما عمله في بدء خلقه ، ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من أخس شيء وأمهنه شريفا مكرما بالعقوق والتكذيب . روي " أن أبي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم بال يفتته بيده وقال : أترى الله يحيي هذا بعد ما رم ، فقال عليه الصلاة والسلام : نعم ويبعثك ويدخلك النار فنزلت . وقيل معنى { فإذا هو خصيم مبين } فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا مميز منطيق قادر على الخصام معرب عما في نفسه .