تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

الآية 77 وقوله تعالى : { أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة } هذا يخرّج على الوجهين :

[ أحدهما : على الخبر أن قد رأى الإنسان أنا قد خلقناه من نطفة فلا يفكّر أن من قدر على خلق الإنسان مبتدأ من نطفة [ غير قادر ]{[17562]} على إعادته .

والثاني ]{[17563]} : على الأمر بالرؤية ، والنظر ، أي فلير الإنسان ، ولينظر أن من قدر على خلق الإنسان مبتدأ من نطفة قادر{[17564]} على إعادته أي إعادة الشيء في الشاهد أهون ، وأيسر من ابتدائهّ ، إذ قد يحتذى ، ويصوّر ، بعد ما يقع البصر على الشيء ، ويرى ، ولا سبيل إلى احتذاء ما لم يروا ولا تصوير ما لم يعاينوا .

احتج الله عليهم بالشيء الظاهر الذي يعلم كل [ واحد ]{[17565]} أنه كذلك من غير تفكّر ولا تأمّل ، والاحتجاج عليهم بالأشياء التي لم يذكر أبلغ وأكثر نحو خلق الإنسان من هذه النطفة على الصورة التي صورها ، والنسمة التي خلقها فيها ما لو اجتمع حكماء البشر كلهم ليعرفوا{[17566]} كيفية خلقه منها من تركيب العظم والشعر والعين والبصر والسمع والعقل وجميع الجوارح ما قدروا /449-أ/ على درك ذلك ، أو لو اجتمعوا ليعرفوا{[17567]} كيفية غذائهم بالأطعمة والأشربة التي جعلها غذاء لهم ، والقوة التي بها يتقوّون{[17568]} على كل أمر ، أن كيف قدر ، وقسم على السواء في الجوارح كلها المواد التي [ بها ]{[17569]} ينمون ، ويزيدون على الاستواء ما لو زاد في بعضها من قوى ذلك الطعام والشراب دون بعض ، يزداد قوة على بعض ، ونحو ذلك من العجائب ، ولا سبيل إلى معرفة ذلك البتة يعد طول التفكر والتأمّل . لكنه احتج بالشيء الظاهر ليدركوا بالبديهة ، ولا يدركون الآخر إلا بعد التأمل والتدبّر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فإذا هو خصيم مبين } أي جدِل بيّن .


[17562]:في الأصل وم: لقادر.
[17563]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: وإن كان.
[17564]:في الأصل وم: لقادر.
[17565]:ساقطة من الأصل وم.
[17566]:في الأصل وم: أن يعرفوا.
[17567]:في الأصل وم: على أن يعرفوا.
[17568]:من م، في الأصل: ينفرون.
[17569]:ساقطة من الأصل وم.