السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

ولما ذكر تعالى دليلاً على عظم قدرته ووجوب عبادته بقوله تعالى : { أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً } ذكر دليلاً من الأنفس أبين من الأول بقوله تعالى : { أولم ير } أي : يعلم { الإنسان } علماً هو في ظهوره كالمحسوس بالبصر { أنا خلقناه } أي : بما لنا من العظمة { من نطفة } أي : شيء حقير يسير من ماء لا انتفاع به بعد إبداعنا إياه من تراب وأنه من لحم وعظام { فإذا هو } أي : فتسبب عن خلقنا له من ذلك المفاجأة لحالة هي أبعد شيء من حالة النطفة وهي أنه { خصيم } أي : بليغ الخصومة { مبين } أي : في غاية البيان عما يريده حتى إنه ليجادل من أعطاه العقل والقدرة في قدرته وأنشد الأستاذ القشيري في ذلك :

أعلمه الرماية كل يوم *** فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته علم القوافي *** فلما قال قافية هجاني

وفي هذا تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر وفيه تقبيح بليغ لإنكاره ، حيث تعجب منه وجعله إفراطاً في الخصومة بيناً ومنافاته لجحود القدرة على ما هو أهون مما علمه في بدء خلقه ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من أخس شيء وأمهنه شريفاً مكرماً بالعقوق والتكذيب .