فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

{ أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ } مستأنفة مسوقة لبيان إقامة الحجة على من أنكر البعث وللتعجيب من جهله ، فإن مشاهدة خلقهم في أنفسهم على هذه الصفة من البداية إلى النهاية مستلزمة للاعتراف بقدرة القادر الحكيم ، على ما هو دون ذلك من بعث الأجسام وردها ، كما كانت ، والإنسان المذكور في الآية المراد به جنس الإنسان كما في قوله { أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا }

ولا وجه لتخصيصه بإنسان معين ؛ كما قيل : إنه عبد الله بن أبي وإنه قيل له ذلك لما أنكر البعث . وقال الحسن : هو أمية بن خلف ، وقال سعيد بن جبير : هو العاص بن وائل السهمي ، وقال قتادة ومجاهد : هو أبي بن خلف الجمحي ، فإن أحد هؤلاء وإن كان سببا للنزول فمعنى الآية خطاب للإنسان من حيث هو ، لا إنسان معين ، ويدخل من كان سببا للنزول تحت جنس الإنسان دخولا أوليا .

{ إنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ } قذرة خسيسة مدرة خارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة ، والنطفة هي اليسير من الماء ، وقد تقدم تحقيق معناها .

{ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } هذه الجملة معطوفة على الجملة المنفية قبلها داخلة معها في حيز الإنكار ، المفهوم من الاستفهام ؛ وإذا هي الفجائية أي .

ألم ير الإنسان أنا خلقناه من أضعف الأشياء وأخسها وأمهنها ففاجأ خصومتنا في أمر قد قامت فيه عليه حجج الله وبراهينه ؛ وشهدت بصحته وتحققه مبدأ فطرته شهادة بينة . والمعنى : العجب من جهل هذا المخاصم – مع مهانة أصله ودناءة أوله – كيف يتصدى لمخاصمة الجبار ؟ ويبرز لمجادلته في إنكار البعث ؟ ولا يتفكر في بدء خلقه وأنه من نطفة قذرة وهو غاية المكابرة ، والخصيم الشديد الخصومة الكثير الجدال ، ومعنى المبين : المظهر لما يقوله الموضح له بقوة عارضته وطلاقة لسانه .

قال ابن عباس : ( جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته بيده فقال : يا محمد أيحيى الله هذا بعد ما أرى ؟ قال : نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت الآيات من آخر يس : أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة الخ {[1410]} ) أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في معجمه .

وعنه قال : جاء عبد الله بن أبي في يده عظم حائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مثل ما تقدم . قال ابن كثير : وهذا منكر لأن السورة مكية وابن أبي إنما كان بالمدينة ، وعنه قال : جاء أبي بن خلف الجمحي وذكر نحو ما تقدم ؛ وعنه أيضا قال : نزلت في أبي جهل وذكر نحو ما تقدم .


[1410]:رواه الطبري 23/ 30 والسيوطي في الدار 5/ 269.