اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ } لما ذكر دليلاً من الآفاق على وجوب عبادته بقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً }{[46626]} [ يس : 71 ] ذكر دليلاً من الأنفس فقال : { أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ } ، قيل : المراد بالإنسان أبيّ بن{[46627]} خلف الجُمَحِيّ خَاصَمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في إنكار البعث وأتاه بعظم قد بلي ففتته بيده وقال : أترى يُحْيِي اللُّهُ هذا العظمَ بعدما رَمَّ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : نعم ويَبْعَثُكَ ويُدْخِلُك النار . فأنزل الله هذه الآيات قال ابن الخطيب : وقد ثبت في أصول الفقه أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ألا ترى قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } [ المجادلة : 1 ] نزلت في واحدة وأراد الحكم في الكل فكذلك كل إنسان ينكر الله أو الحشر هذه الآية ردّ عليه وقوله : { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ } أي جَدِلٌ بالباطل «مبين » بيّن الخصومة . وفي ( هذه ) الآية لطيفة وهي أن اختلاف صور أعضائه{[46628]} مع تشابه أجزاء النطفة آية ظاهرة ومع ذلك فهناك ما هو أظهر ، وهو نُطْقُهُ وفَهْمُهُ لأن النطفة جسم فهبْ أن جاهلاً يقول إنه استحال جسماً آخر لكن القوة الناطقة ، والقوة الفاهمة من أين تقتضيهما النطفة فإبداع النطق والفهم أعجب وأغرب من إبداع الخلق والجسم وهو ( إلى ){[46629]} إدراك القوة والاختيار منه أقرب فقوله : «خَصِيمٌ » أي ناطق ، وإنما ذكر الخصيم مكان الناطق لأنه أعلى أحوال الناطق فإن الناطق مع نفسه لا يبين كلامه مثل ما يبينه وهو يتكلم مع غيره والمتكلم مع غيره إذا لم يكن خصماً لا يبين ولا يجتهد مثل ما يجتهد إذا كان كلامه مع{[46630]} خصمه .


[46626]:في ب بدل هذه الآية قوله: "او لم ير الإنسان" وهو غير مقصود.
[46627]:رواه العوفي عن ابن عباس زاد المسير 7/41. وهو قول مجاهد وقتادة والجمهور والمفسرين. ومن قائل: إنه عبد الله بن أبي بن سلول. ومن قائل: إنه العاص بن وائل السهمي. المرجع السابق.
[46628]:في ب الأعضاء.
[46629]:سقط من ب.
[46630]:وانظر هذا كله في تفسير الإمام الفخر الرازي 26/107 و 108.