فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

وجملة { أَوَ لَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نُّطْفَةٍ } مستأنفة مسوقة لبيان إقامة الحجة على من أنكر البعث ، وللتعجيب من جهله ، فإن مشاهدة خلقهم في أنفسهم على هذه الصفة من البداية إلى النهاية مستلزمة للاعتراف بقدرة القادر الحكيم على ما هو دون ذلك من بعث الأجسام ، وردّها كما كانت ، والإنسان المذكور في الآية المراد به : جنس الإنسان كما في قوله : { أَوْ لاَ يَذْكُرُ إلإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } [ مريم : 67 ] ، ولا وجه لتخصيصه بإنسان معين كما قيل : إنه عبد الله بن أبيّ ، وأنه قيل له ذلك لما أنكر البعث . وقال الحسن : هو أمية بن خلف . وقال سعيد بن جبير : هو العاص بن وائل السهمي .

وقال قتادة ومجاهد : هو أبيّ بن خلف الجمحي ، فإن أحد هؤلاء ، وإن كان سبباً للنزول ، فمعنى الآية : خطاب الإنسان من حيث هو ، لا إنسان معين ، ويدخل من كان سبباً للنزول تحت جنس الإنسان دخولاً أوّلياً ، والنطفة هي اليسير من الماء ، وقد تقدّم تحقيق معناها { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } هذه الجملة معطوفة على الجملة المنفية قبلها داخلة معها في حيز الإنكار المفهوم من الاستفهام ، و " إذا " هي الفجائية : أي ألم يرَ الإنسان أنا خلقناه من أضعف الأشياء ، ففجأ خصومتنا في أمر قد قامت فيه عليه حجج الله وبراهينه ، والخصيم : الشديد الخصومة الكثير الجدال ، ومعنى المبين : المظهر لما يقوله الموضح له بقوّة عارضته ، وطلاقة لسانه .

/خ83