البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

{ أوَلم يرى الإنسان } : قبح تعالى إنكار الكفرة البعث ، حيث قرر أن عنصره الذي خلق منه هو نطفة ماء مهين خارج من مخرج النجاسة .

أفضى به مهانة أصلة إلى أن يخاصم الباري تعالى ويقول : من يحيى الميت بعدما رمّ ؟ مع علمه أنه منشأ من موات .

وقائل ذلك العاصي بن وائل ، أو أمية بن خلف ، أو أبي بن خلف ، أقوال أصحها أنه أبي بن خلف ، رواه ابن وهب عن مالك ، وقاله ابن اسحاق وغيره .

والقول أنه أمية ، قاله مجاهد وقتادة ؛ ويحتمل أن كلاً منهم واقع ذلك منه .

وقد كان لأبي مع الرسول مراجعات ومقامات ، جاء بالعظم الرميم بمكة ، ففتته في وجهه الكريم وقال : من يحيى هذا يا محمد ؟ فقال : « الله يحييه ويميتك ويحييك ويدخلك جهنم » ، ثم نزلت الآية .

وأبيّ هذا قتلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يوم أُحُد بالحربة ، فخرجت من عنقه .

ووهم من نسب إلى ابن عباس أن الجائي بالعظم هو عبد الله بن أبي بن سلول ، لأن السورة والآية مكية بإجماع ، ولأن عبد الله بن أبي لم يهاجر قط هذه المهاجرة .

وبين قوله : { فإذا هو خصيم مبين } وبين : { خلقناه من نطفة } ، جمل محذوفة تبين أكثرها في قوله في سورة المؤمنون : { ثم جعلناه نطفة في قرار مكين } وإنما اعتقب قوله : { فإذا هو خصيم مبين } الوصف الذي آل إليه من التمييز والإدراك الذي يتأتى معه الخصام ، أي فإذا هو بعدما كان نطفة ، رجل مميز منطيق قادر على الخصام ، مبين معرب عما في نفسه .