معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (82)

قوله تعالى : { والذي أطمع } أرجو { أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } أي : خطايا يوم الحساب . قال مجاهد : هو قوله : إني سقيم ، وقوله : بل فعله كبيرهم هذا ، وقوله لسارة : هذه أختي ، وزاد الحسن وقوله للكواكب : هذا ربي .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص بن غياث ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : " قلت يا رسول الله : ابن جدعان ، كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم المساكين ، فهل ذاك نافعه ؟ قال : لا ينفعه إنه لم يقل يوماً ، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " . وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه ، وإخبار أنه لا يصلح الإلهية إلا لمن يفعل هذه الأفعال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (82)

{ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } أي : هو الذي لا يقدر على غَفْر الذنوب في الدنيا والآخرة ، إلا هو ، ومن يغفر الذنوب إلا الله ، وهو الفعال لما يشاء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (82)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِي يُمِيتُنِي ثُمّ يُحْيِينِ * وَالّذِيَ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ } .

يقول : والذي يميتني إذا شاء ثم يحييني إذا أراد بعد مماتي وَالّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ فرّبى هذا الذي بيده نفعي وضرّي ، وله القدرة والسلطان ، وله الدنيا والاَخرة ، لا الذي لا يسمع إذا دُعي ، ولا ينفع ولا يضرّ . وإنما كان هذا الكلام من إبراهيم احتجاجا على قومه ، في أنه لا تصلح الألوهة ، ولا ينبغي أن تكون العبودة إلا لمن يفعل هذه الأفعال ، لا لمن لا يطيق نفعا ولا ضرّا . وقيل : إن إبراهيم صلوات الله عليه ، عني بقوله : وَالّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ : والذي أرجو أن يغفر لي قولي : إنّي سَقِيمٌ ، وقولي : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ، وقولي لسارة إنها أختي . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : أنْ يَغْفِرَ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ قال : إنّي سَقِيمٌ ، وقوله فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ، وقوله لسارَة : إنها أختي ، حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله وَالّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ قال : قوله إنّي سَقِيمٌ ، وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ، وقوله لسارَة : إنها أختي .

قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد نحوه . ويعني بقوله يَوْمَ الدّينِ يوم الحساب ، يوم المجازاة ، وقد بيّنا ذلك بشواهده فيما مضى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (82)

وأوقف عليه السلام نفسه على الطمع في المغفرة وهذا دليل على شدة خوفه مع منزلته وخلته ، وقوله { خطيئتي } ، ذهب فيه أكثر المفسرين إلى أنه أراد كذباته الثلاث ، قوله هي أختي في شأن سارة ، وقوله { إني سقيم }{[2]} [ الصافات : 89 ] ، وقوله { بل فعله كبيرهم هذا }{[3]} [ الأنبياء : 63 ] ، وقالت فرقة أراد ب » الخطيئة «اسم الجنس فدعا في كل أمره من غير تعيين .

قال القاضي أبو محمد : وهذا أظهر عندي لأن تلك الثلاث قد خرجها كثير من العلماء على المعارض ، وهي وإن كانت كذبات بحكم قول النبي صلى الله عليه وسلم لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات{[4]} ، وبحكم ما في حديث الشفاعة من قوله في شأن إبراهيم نفسي نفسي ، وذكر كذباته{[5]}- فهي في مصالح وعون شرع وحق ، وقرأ الجمهور » خطيئتي «بالإفراد ، وقرأ الحسن » خطاياي «بالجمع .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.