السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (82)

ولما ذكر البعث ذكر ما يترتب عليه بقوله : { والذي أطمع } هضماً لنفسه وإطراحاً لأعماله { أن يغفر } أي : يمحو أو يستر { لي خطيئتي } أي : تقصيري عن أن أقدره حق قدره { يوم الدين } أي : الجزاء .

روي أنّ عائشة قالت : قلت : يا رسول الله إنّ ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه ؟ قال : «لا ينفعه ، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين » وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه أنه لا يصلح للإلهية إلا من يفعل هذه الأفعال .

فإن قيل : لم قال والذي أطمع والطمع عبارة عن الظنّ والرجاء وهو عليه السلام كان قاطعاً بذلك ؟ .

أجيب : بأنّ في ذلك إشارة إلى أن الله تعالى لا يجب عليه لأحد شيء ، فإنه يحسن منه تعالى كل شيء ولا اعتراض لأحد عليه في فعله .

فإن قيل : لم أسند لنفسه الخطيئة مع أنّ الأنبياء معصومون ؟ أجيب : بأنّ مجاهداً قال هي قوله : إني سقيم وقوله : بل فعله كبيرهم هذا وقوله : لسارة هي أختي ، ورد بأن هذه معاريض كلام وتخيلات للكفرة وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار ، والأولى في الجواب أن استغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم ، ويدل عليه قوله : أطمع ولم يجزم القول بالمغفرة ، وفيه تعليم لأممهم وليكون لطفاً لهم باجتنابهم المعاصي والحذر منها وطلب المغفرة مما يفرط منهم ، فإن قيل : لم علق مغفرة الخطيئة بيوم الدين وإنما المغفرة في الدنيا ؟ أجيب : بأنّ أثرها يتبين يومئذ وهو الآن خفي لا يعلم .