قوله : { والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين } قرأ العامة : «خَطِيئَتِي » بالإفراد . والحسن : «خَطَايَايَ »{[37364]} جمع تكسير . فإن قيل : لم قال : «والَّذِي أَطْمَعُ » والطمع عبارة عن الظن والرجاء ، وهو عليه السلام{[37365]} كان قاطعاً بذلك ؟ فالجواب : هذا الكلام يستقيم على مذهب أهل السنة ، حيث قالوا : لا يجب على الله لأحد شيء ، وأن يحسن منه كل شيء ، ولا اعتراض لأحد عليه في فعله .
الأول : أن قوله : { والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي } أراد به سائر المؤمنين ، لأنهم الذين يطمعون ولا يقطعون به .
والثاني : المراد{[37366]} من الطمع : اليقين ، وهو المروي عن الحسن{[37367]} .
وأجاب الزمخشري بأنه إنما ذكره على هذا الوجه تعليماً لأمته كيفية الدعاء{[37368]} .
قال ابن الخطيب : وهذه وجوه ضعيفة ، أما الأول فإن الله تعالى حكى الثناء أولاً والمدح ثانياً ، ومن أول المدح إلى آخر الدعاء كلام إبراهيم - عليه السلام{[37369]} - فجعل الشيء الواحد وهو كقوله : { والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خطيئتي يَوْمَ الدين } كلام غيره ممّا يبطل نظم الكلام ويفسده .
وأما قوله : إن الطمع هو اليقين ( فهذا ){[37370]} على خلاف اللغة .
وأما الثالث وهو أن المراد تعليم الأمة فباطل أيضاً{[37371]} ، لأن{[37372]} حاصله يرجع إلى أنه كذب على نفسه لغرض تعليم الأمة ، وإنه باطل أيضاً{[37373]} . فإن قيل : لم أسند إلى نفسه الخطيئة مع أن الأنبياء منزهون عن الخطايا ؟ فالجواب{[37374]} من وجوه :
أحدها : قال مجاهد : هي قوله : { إِنِّي سَقِيمٌ } [ الصافات : 89 ] وقوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } [ الأنبياء : 63 ] وقوله لسارة : «هذه أختي »{[37375]} وزاد الحسن قوله للكوكب : { هذا رَبِّي }{[37376]} [ الأنعام : 76 ] .
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ، لأن نسبة الكذب إليه غير جائز{[37377]} .
وثانيها : أنه ذكره على سبيل التواضع وهضم النفس .
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ، لأنه إن كان صادقاً في هذا التواضع فقد لزم الإشكال ، وإن كان كاذباً فحينئذ يرجع حاصل الجواب إلى إلحاق المعصية به ، وهو منزه عن المعصية{[37378]} .
وقال : وثالثها ، وهو الجواب الصحيح : أن يحمل ذلك على ترك الأولى ، وقد يسمى ذلك خطأ ، فإن من ملك جوهرة أمكنه أن{[37379]} يبيعها بألف ألف دينار ، فباعها بدينار ، وقيل : إنه أخطأ ، وترك الأولى على الأنبياء جائز{[37380]} .
فإن قيل : ما فائدة قوله : «يَغْفِرَ لِي » ؟ .
فالجواب من وجوه : الأول : أن الأب إذا عفا عن ولده ، والسيد عن عبده ، والزوج عن زوجته فإنما يكون ذلك طلباً للثواب ، أو لحسن الثناء والمحمدة ، أو{[37381]} دفعاً للألم الحاصل من الرقة الجنسية ، وإذا كان كذلك لم يكن عفوه إلا رعاية جانب نفسه ، إما لتحصيل ما ينبغي ، أو لدفع ما لا ينبغي ، وأما الإله سبحانه فإنه كامل بذاته فيستحيل أن تحدث له صفات كمال لم تكن ، أو يزول عنه نقصان كان ، وإذا كان كذلك لم يكن عفوه إلا رعاية لجانب المعفو عنه .
فقوله : «يَغْفِر لِي » معناه : أن غفرانه لي ولأجلي ، لا لأجل أمر عائد إليه ألبتة{[37382]} .
وثانيها : كأنه قال : خلقتني لا لي ، فإنك حين خلقتني لم أكن موجوداً ، فإذا عفوت كان ذلك العفو لأجلي{[37383]} ، فلما خلقتني أولاً مع أني ما كنت{[37384]} محتاجاً إلى ذلك الخلق ، فلأن تغفر لي وتعفو عني حال ما أكون في أشد{[37385]} الحاجة إلى العفو والمغفرة كان أولى .
وثالثها : أن إبراهيم - عليه السلام{[37386]} - كان مع شدة استغراقه في المعرفة شديد الفرار عن الوسائط ، ولذلك{[37387]} لما قال له جبريل : «ألك حاجة ؟ » قال : «أما إليك فلا » فهاهنا قال : { أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي } أي : بمجرد عبوديتي واحتياجي إليك تغفر لي خطيئتي ، لا أن تغفرها بواسطة شفاعة شافع{[37388]} ، فإن قيل{[37389]} : لم علق غفران الخطيئة بيوم الدين وإنما تغفر في الدنيا ؟ .
فالجواب : لأن أثرها يظهر يوم الدين ، وهو الآن خفي لا يعلم{[37390]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.