معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

قوله تعالى :{ يلقون السمع } أي : يستمعون من الملائكة مسترقين ، فيلقون إلى الكهنة ، { وأكثرهم كاذبون } لأنهم يخلطون به كذباً كثيراً .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

{ يُلْقُونَ السَّمْعَ } أي : يسترقون السمع من السماء ، فيسمعون الكلمة من علم الغيب ، فيزيدون معها مائة كذبة ، ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس فيتحدثون بها ، فيصدقهم الناس في كل ما قالوه ، بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء ، كما صح بذلك الحديث ، كما رواه البخاري ، من حديث الزهري : أخبرني يحيى بن عُروَةَ بن الزبير ، أنه سمع عُرْوَةَ بن الزبير يقول : قالت عائشة ، رضي الله عنها : سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان ، فقال : " إنهم ليسوا بشيء " . قالوا : يا رسول الله ، فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تلك الكلمة من الحق يخطفها{[21917]} الجني ، فَيُقَرقرِها في أذن وليه كقَرْقَرة الدجاجة ، فيخلطون معها أكثر من مائه كذبة " {[21918]} .

وقال البخاري أيضا : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو قال : سمعت عكرمة يقول : سمعت أبا هريرة يقول : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعانًا لقوله ، كأنها{[21919]} سلسلة على صَفْوان ، حتى إذا فُزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال : الحق وهو العلي الكبير . فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع ، هكذا بعضهم فوق بعض " . ووصف سفيان بيده فَحَرفها ، وبَدّدَ بين أصابعه " فيسمع الكلمة ، فيلقيها إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته ، حتى يلقيها على لسان الساحر - أو الكاهن - فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وربما ألقاها قبل أن يدركه ، فيكذب معها مائة كذبة . فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا : كذا وكذا ؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمع{[21920]} من السماء " . انفرد به البخاري{[21921]} .

وروى مسلم من حديث الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن ابن عباس ، عن رجال من الأنصار قريبًا من هذا . وسيأتي عند قوله تعالى في سبأ : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } الآية [ سبأ : 23 ] ، [ إن شاء الله تعالى ]{[21922]} .

وقال البخاري : وقال الليث : حدثني خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال : أن أبا الأسود أخبره ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الملائكة تَحَدّث في العَنَان - والعَنَان : الغَمَام - بالأمر [ يكون ]{[21923]} في الأرض ، فتسمع الشياطين الكلمة ، فتقرُّها في أذن الكاهن كما تُقَرّ القارورة ، فيزيدون معها مائة كذبة " {[21924]} .

وقال البخاري في موضع آخر من كتاب " بدء الخلق " عن سعيد بن أبي مريم ، عن الليث ، عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة ، عن عائشة ، بنحوه{[21925]} .


[21917]:- في ف ، أ : "يحفظها".
[21918]:- صحيح البخاري برقم (7561).
[21919]:- في ف : "كأنه".
[21920]:- في هـ ، ف ، أ : "سمعت" والصواب ما أثبتناه من البخاري.
[21921]:- صحيح البخاري برقم (4800).
[21922]:- زيادة من ف ، أ.
[21923]:- زيادة من ف ، أ ، والبخاري.
[21924]:- صحيح البخاري برقم (3288) وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي صالح كاتب الليث عنه ، كما في الفتح (6/432).
[21925]:- صحيح البخاري رقم (2210).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

وقوله : يُلْقُونَ السّمْعَ يقول تعالى ذكره : يُلقي الشياطين السمع ، وهو ما يسمعون مما استرقوا سمعه من حين حدث من السماء ، إلى كُلّ أفاكٍ أثِيمٍ من أوليائهم من بني آدم . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُلْقُونَ السّمْعَ قال : الشياطين ما سمعته ألقته على كلّ أفّاك كذّاب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد يُلْقُونَ السّمْعَ الشياطين ما سمعته ألقته عَلى كُلّ أفّاكٍ قال : يلقون السمع ، قال : القول .

وقوله : وأكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ يقول : وأكثر من تنزّل عليه الشياطين كاذبون فيما يقولون ويخبرون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، في قوله وأكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ عن عروة ، عن عائشة قالت : الشياطين تسترق السمع ، فتجيء بكلمة حقّ فيقذفها في أذن وليه قال : ويزيد فيها أكثر من مئة كذبة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

وثانيهما قوله : { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } أي الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم ، فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها كما جاء في الحديث " الكلمة يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبه ولا كذلك محمد صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى وقد طابق كلها وقد فسر الأكثر بالكل لقوله تعالى : { كل أفاك أثيم } . والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني . وقيل الضمائر للشياطين أي يلقون السمع إلى الملأ الأعلى قبل أن يرجموا فيختطفون منهم بعض المغيبات ويوحون به إلى أوليائهم أو يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم إذ يسمعونهم لا على نحو ما تكلمت به الملائكة لشرارتهم ، أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

وقوله { يلقون } يعني الشياطين ، ويقتضي ذلك أن الشيطان المسترق أيضاً كان يكذب إلى ما سمع ، هذا في الأكثر ، ويحتمل الضمير في { يلقون } -أي يكذبون- الكهنة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

{ يُلقون السمع } صفة ل { كلِّ أفاك أثيم } ، أي يظهرون أنهم يُلقون أسماعهم عند مشاهدة كواكب لتتنزل عليهم شياطينهم بالخبر ، وذلك من إفكهم وإثمهم .

وإلقاء السمع : هو شدة الإصغاء حتى كأنه إلقاءٌ للسمع من موضعه ، شبه توجيه حاسة السمع إلى المسموع الخفي بإلقاء الحجر من اليد إلى الأرض أو في الهواء قال تعالى : { أو ألقَى السمع وهو شهيد } [ ق : 37 ] ، أي أبلغ في الإصغاء لِيَعِيَ ما يُقال له .

وهذا كما أطلق عليه إصغاء ، أي إمالة السمع إلى المسموع .

وقوله : { وأكثرهم كاذبون } أي أكثر هؤلاء الأفاكين كاذبون فيما يزعمون أنهم تلقوه من الشياطين وهم لم يتلقوا منها شيئاً ، أي وبعضهم يتلقى شيئاً قليلاً من الشياطين فيكذب عليه أضعافه .

ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الكهان فقال : « ليسوُا بشيء » قيل : يا رسول الله فإنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقاً . فقال : « تلك الكلمة من الحق يخطفها الجِنيّ فَيَقَرُّها في أذُن وليه قَرَّ الدَّجاجة فيخلطون عليها أكثر من مائة كذبة » فهم أفّاكون وهم متفاوتون في الكذب فمنهم أفاكون فيما يزيدونه على خبر الجن ، ومنهم أفّاكون في أصل تلقي شيء من الجن ، ولما كان حال الكهان قد يلتبس على ضعفاء العقول ببعض أحوال النبوءة في الإخبار عن غيب ، وأسجاعهم قد تلتبس بآيات القرآن في بادىء النظر . أطنَبت الآية في بيان ماهية الكهانة وبينت أن قصاراها الإخبارُ عن أشياء قليلة قد تصدق فأينَ هذا من هدي النبي والقرآن وما فيه من الآداب والإرشاد والتعليم والبلاغة والفصاحة والصراحة والإعجاز ولا تصدي منه للإخبار بالمغيبات . كما قال : { ولا أعلم الغيب } [ الأنعام : 50 ] في آيات كثيرة من هذا المعنى .