وقوله : { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ } أي : هذا الذي ذكره تعالى من خلق السموات ، والأرض وما بينهما ، صادر عن فعل الله وخلقه وتقديره ، وحده لا شريك له في ذلك ؛ ولهذا قال : { فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } أي : مما تعبدون وتدعون من الأصنام والأنداد ، { بَلِ الظَّالِمُونَ } يعني : المشركين بالله العابدين معه غيره { فِي ضَلالٍ } أي : جهل وعمى ، { مُبِينٍ } أي : واضح ظاهر لا خفاء به .
القول في تأويل قوله تعالى : { هََذَا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } .
يقول تعالى ذكره : هذا الذي أعددت عليكم أيها الناس أني خلقته في هذه الاَية خلق الله الذي له ألوهة كل شيء ، وعبادة كل خلق ، الذي لا تصلح العبادة لغيره ، ولا تنبغي لشيء سواه ، فأروني أيها المشركون في عبادتكم إياه مَن دونه من الاَلهة والأوثان ، أيّ شيء خلق الذين من دونه من آلهتكم وأصنامكم ، حتى استحقت عليكم العبادة فعبدتموها من دونه ، كما استحقّ ذلك عليكم خالقكم ، وخالق هذه الأشياء التي عددتها عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : هَذَا خَلْقُ اللّهِ ما ذكر من خلق السموات والأرض ، وما بثّ من الدوابّ ، وما أنبت من كلّ زوج كريم ، فأروني ماذا خلق الذين من دونه الأصنام الذين تدعون من دونه .
وقوله : بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول تعالى ذكره : ما عبد هؤلاء المشركون الأوثان والأصنام من أجل أنها تخلق شيئا ، ولكنهم دعاهم إلى عبادتها ضلالهم ، وذهابهم عن سبيل الحقّ ، فهم في ضلال . يقول : فهم في جور عن الحقّ ، وذهاب عن الاستقامة مبين يقول : يبين لمن تأمله ، ونظر فيه وفكّر بعقل أنه ضلال لا هدى .
{ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه } هذا الذي ذكر مخلوقه فماذا خلق آلهتكم حتى استحقوا مشاركته ، و { ماذا } نصب ب { خلق } أو ما مرتفع بالابتداء وخبره ذا بصلته { فأروني } معلق عنه . { بل الظالمون في ضلال مبين } إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفى على ناظر ، ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنهم ظالمون بإشراكهم .
ثم وقف تعالى الكفار على جهة التوبيخ وإظهار الحجة على أن هذه الأشياء هي مخلوقات{[9352]} الله تعالى ، ثم سألهم أن يوجدوا ما خلق الأوثان والأصنام وغيرهم ممن عبد ، أي أنهم لن يخلقوا شيئاً ، بل هذا الذي قريش فيه ضلال مبين ، فذكرهم بالصفة التي تعم معهم سواهم ممن فعل فعلهم من الأمم ، وقوله : { ماذا } يجوز أن تكون «ما » استفهاماً في موضع رفع بالابتداء و «ذا » خبرها بمعنى الذي والعائد محذوف ، ويجوز أن تكون «ما » مفعولة ب «أروني » و «ذا » و «ما » بمعنى الذي والعائد محذوف تقديره في الوجهين خلقه{[9353]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.